زواياصحيفة البعثمحليات

منحة للموظفين!

يبدو أن الفريق الاقتصادي لم يستشعر بعد خطورة المواجهة المعيشية المحتدمة في حياة الناس، ونؤكد هنا مصطلح الاستشعار على اعتبار أن كل الوعود التي أطلقت كان نصيبها التلاشي والسقوط بالتقادم من أجندة العمل الاقتصادي الذي يتوارى أكثر فأكثر عن ساحة الحلول الناجعة، فيما يخص تحسين الواقع المعيشي المتأكل أمام حالة الجنون والفوضى السعرية الضاربة بقوة في سياسات الترشيد والإنفاق الأسري والحكومي؛ فالمعركة حامية الوطيس بعد أن تضاعفت ارتدادات وتداعيات هذا الملف على حياة الناس وبشكل يستدعي عملاً جاداً ومسؤولاً لتضييق الفجوة بين الإنفاق وبين الدخل مع تفاقم المشكلات الاجتماعية ( فقر – فساد – قتل – سرقة – خطف – تسوّل – عمالة أطفال… وغيرها)، وهذا ما يشكل تحدياً جوهرياً أمام الحكومة في عملية الإصلاح الاجتماعي الذي ستكون تكلفته أعلى بأضعاف مضاعفة أمام تكلفة الإصلاح الاقتصادي المطلوب في هذه المرحلة التي تدور فيها رحى المواجهات الخاسرة بين الواقع الذي ترسمه القرارات على الأوراق وبين اليوميات المسجلة في خانة الغبن المعيشي.
ولاشك أن التدرج الموعود في الانتقال نحو أجواء أكثر أمانًا من جميع النواحي لا يزال محفوفا بالمخاطر وغير موثوق النتائج؛ فقد سقط المستوى المعيشي اللائق في غمار الأزمة وتهاوت مقوماته بين زحمة الأزمات المتنوعة اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً، وما يثير القلق أكثر إطلاق بطاقة البحث عن موارد جديدة للدولة في الاتجاه المعاكس حيث تم توجيهها قسرياً نحو الحلقة الاقتصادية الأضعف عبر سلسلة من الضرائب التي استهدفت أصحاب الدخل المحدود مباشرة (الرواتب)، في حين دغدغت أصحاب المداخيل الكبيرة بأرقام لا تذكر ولا تتناسب مع حقيقة دخلهم، كما استثنت نفقات المسؤولين المتشعبة من فاتورة الهدر التي لاحقت مستلزمات الموظف فقط، وأعفت كل الفاسدين من المقاصصة الاقتصادية والإدارية.
والغريب أيضاً أن جميع الدراسات والاجتماعات تبدأ من نقطة التعافي الاقتصادي التي يصعب تحديدها زمنياً؛ ولذلك لم تؤتِ جميع القرارات الصادرة ثمارها كونها تتعامل مع حالة افتراضية غير موجودة خاصة لجهة الأرقام التي تتحدث عن وفورات في الهدر، أو تلك التي تدخل في سباق المقارنات مع الموارد الجديدة المتحققة خلال السنوات الثلاث الماضية دون أن يتم إدخالها في حسابات تحسين الحالة المعيشية.
وما يدعو للتشكيك في سلامة الإجراءات والخطوات المتخذة في المنحى المعيشي أنها تعتمد على قيمة الرواتب الضئيلة سواء لجهة القروض المختلفة بما فيها الاستهلاكية أو السلف، أي الدوران في الحلقات المفرغة والعودة من جديد إلى خط البداية المتمثل في المواجهة الدائمة مع الواقع المعيشي وخاصة في هذه الفترة من العام التي تزداد فيها الأعباء المعيشية لناحية تأمين المستلزمات الخاصة بـ (المدارس، المونة، المازوت)، وهنا لابد من طرح فكرة منح راتب ثلاثة أشهر لكل موظف، أو مبلغ 100 ألف ليرة على أن تسترد في نهاية خدمته بعدة طرق بدلاً من الاستمرار في منح مؤسسات التدخل الإيجابي والمؤسسات المعنية بالأمن الغذائي كما قيل قروضاً تشغيلية تجاوزت 55 مليار ليرة لتضيع من جديد في دوامات الهدر والفساد.
بشير فرزان