حفـــلات توقيـــع الكتـــب ظاهـــرة اجتماعيـــة أم ثقافيـــة!؟
على الرغم من تباين وجهات النظر حولها إلا أن ظاهرة حفلات توقيع الكتب ازدهرت في دمشق في السنوات الأخيرة، حيث أخذت دور النشر تحتفي بإصداراتها الجديدة بحضور كتّابها ضمن حفل تقيمه، الأمر الذي يتيح للقارئ لقاء الكاتب واقتناء كتابه، علماً أن هذه الظاهرة بدأت في أوربا ثم انتقلت إلى الوطن العربي عبر مصر، في وقت كانت تشهد فيه الساحة الثقافية سجالاً فكرياً وثقافياً وإقبالاً كبيراً من قبل المجتمع على القراءة والثقافة.
تشجيع الكاتب
ويبين رئيس اتحاد الكتّاب العرب مالك صقور أن حفلات توقيع الكتب لم تكن ظاهرة مُستَحبّة في وقت من الأوقات في الاتّحاد، ولكن مع تنشيط فعّالية هذه الحفلات وتحولها إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية وفكرية هدفها تشجيع الكاتب ودعوة قرّائِه لشراء الكتاب، وتشجيع الكتاب وإيصاله لأكبر عدد ممكن من الناس بات من الضروري تشجيعها في ظل تراجع الاهتمام بالكتاب، خاصة وأن بعض الناس لا يُعنون بالكتاب إلّا إذا كانت له دعاية وحفلات توقيع، وهو اختيار شخصي للكاتب، وأحياناً للناشر، وغالباً ما يتم الاتّفاق بين الاثنين على اعتماد هذه الوسيلة للترويج للكتاب والتي لم تعد مقتصرة على بعض الكتّاب بل أصبحت متاحة للجميع، والاتّحاد يقوم بهذا النشاط لإيصال الكتاب والكاتب إلى القارئ.
ضرورة ثقافية
وعندما ينتهي الكاتب من إعداد كتابه يتحول الكتاب إلى مُنْتَج عام يخرج من قمقم الكاتب إلى المجتمع، وهنا يحتاج هذا الكتاب برأي الأديب الأرقم الزعبي إلى إشهار، وإحدى وسائل الإشهار إلى جانب الإعلام والندوات حفلات التوقيع التي تتيح إجراء مُفاعلة ثقافية حول الكتاب وقراءة في مضمونه وتحليل لمحتواه، وكذلك الترويج له وللكاتب والناشر، وبالتالي فإن حفلات توقيع الكتاب كما يشير الزعبي ضرورة ثقافية لو وُضِعَت ضمن سياقها الثقافي لتعريف أكبر شريحة ممكنة من الناس بالكتاب، وكذلك هي عرس ثقافي وظاهرة حياة تُعْلِن عودة الحياة إلى سورية، وهو أمر ضروري.
نوع من التسويق
ويؤمن الأديب عماد نداف الذي وقَّع كتابه الجديد “اذكريني دائماً” مؤخراً أن حفلات توقيع الكتب ظاهرة في صلب النشاط الثقافي لأنها تستقطب أشخاصاً لا يكونون عادةً على تماس مع الحالة الثقافية، فيرتادون هذه الحفلات إما لمعرفة شخصية بالكاتب أو رغبة منهم بالتعرف على الكتاب، في حين يحب البعض التواجد في ظاهرة من هذا النوع كشكل من الترفيه، فيأتي هذا الشخص لحفل التوقيع وإذ به يجد نفسه أمام كتاب يقوم باقتنائه ويحمله إلى بيته، وقد يجد نفسه بعد فترة قد قرأ جزءاً منه، ولهذا يرى نداف أن هذه الظاهرة قد تكون مفتاحاً ومصيدة يمكن من خلالها الوصول إلى القارئ، خاصة وأن هناك أشخاصاً يحبون أن يأخذوا توقيع الكاتب وقد لا يقرأ الكتاب مباشرةً ولكن بعد فترة من الزمن تصبح لديه مكتبة صغيرة يجد نفسه تدريجياً يقرأ منها، ويعتبر نداف أن أي منتَج ثقافي أو فني أو اقتصادي لا يمكن أن يكون ذا تأثير في الشارع إذا لم يسوّق، وبالتالي فإن تسويق الكتاب عملية ضرورية، ومن هنا يرى أن حفلات توقيع الكتب هي نوع من التسويق وهي ضرورة في الثقافة والفكر والفن، فعندما لا يُكَدَّس الكتاب في المكتبة والبيت والمستودع فإنه ثمة كتاب غيره سيكون في السوق، مع إشارته إلى أن بعض حفلات توقيع الكتب يوَزَّع فيها الكتاب بشكل مجّاني، وهذا مؤشّر على أن الكتاب في أزمة، ومن هنا فإن هذه الحفلات تتيح وجوده بين أيدي القرّاء، وبالتالي فإنّ حفلات توقيع الكتب عملية مشروعة نحو الخروج من أزمة الكتاب.
أمر ضروري
كما يرى القاص رياض طبرة أن هذه الظاهرة عبارة عن حراك ثقافي، وباتت أمراً ضرورياً لدعم الكاتب وتشجعيه وتحفيزاً معنوياً ومادياً لتواجده ككاتب، وهي إحدى وسائل تتشيط الحركة الثقافية وشراء الكتاب في ظل عزوف حقيقي عن كل ما هو ثقافي. من هنا يؤكد طبرة أن إعادة الاعتبار للكتاب عبر حفلات التوقيع طريقة إيجابية وذات جدوى، خاصة وأن الكتب توزّع أحياناً بشكل مجاني في هذه الحفلات، وقد تباع بأسعار رمزية كما يفعل اتحاد الكتاب العرب، والغاية من ذلك إيصال الكتاب إلى القارئ بدلاً من بقائه في المستودعات، مبيناً أن حفلات توقيع الكتب أصبحت اليوم ظاهرة اجتماعية، لكنّها توجه رسائل ثقافية، خاصة وأن الحرب التي شُنَّت علينا كانت في بعض أوجهها حرباً ثقافية بهدف إسقاط كل ما هو جميل في حياتنا، وأهمها محاربة الكتاب.
ظاهرة اجتماعية
ويوضح الأديب أيمن الحسن أن حفلات توقيع الكتب نشاط ثقافي مهم ومفيد، سواء أكان مردوده اجتماعياً أو ثقافياً، وهي تتيح لقاء الكاتب مع محبيه وفرصة للتعارف بين الكاتب وقرّائه، وبالتالي هي ظاهرة اجتماعية، والأفضل أن تكون ظاهرة ثقافية بحيث تُقام مع حفلات توقيع الكتاب ندوات وقراءات في هذا المنتوج الأدبي أو الفني توضّح للقارئ الجديد الذي سيشتري نسخة من الكتاب مضمونه والجديد فيه وما هي ثغراته لتقدّم للحضور مهما كانت مستوياتهم رؤية كاملة عن الكتاب، مؤكداً أن حفلات توقيع الكتب أمر مبرّر للجميع، وخاصة للكتّاب الذين في بداياتهم، حيث من المهم أن يروّج الكاتب لعمله الأول ليكون بين أيدي القرّاء والنقّاد، فهو في هذه المرحلة بحاجة لمعرفة أخطائه وثغراته، وبالتالي من حقّ الكاتب أن يروّج لعمله الذي أتى نتاج فترات طويلة من الجهد والتعب بالشكل الذي يراه مناسباً، وحفلات توقيع الكتب إحدى هذه الأشكال، وهي صورة من صور تعافي سورية ومؤشّر على عودة الحياة الثقافية والأدبية.
أمينة عباس