حلب.. “صحافة مغيّبة”
لم تنفع كل المناشدات والمطالبات والوساطات على مدى العامين الماضيين بإيجاد حل لقضية وجود عدد محدود من البراكات أو الكوات المخصصة لبيع الصحف والمجلات داخل مدينة حلب، بل على العكس يزداد إصرار أصحاب القرار على تهميش هذه القضية المهمة والملحة وتمييعها في الوقت الذي يفترش باعة الدخان وأصحاب البسطات الأرصفة وأجزاء كبيرة من الشوارع ومداخل الأبنية والساحات، ناهيك عن انتشار الباعة الجوالين في وسط المدينة والذين يتقاسمون الشوارع الرئيسية مع أصحاب السيارات والمارة من المواطنين.
ولئن شغلت هذه القضية النخب الثقافية والفكرية والعامة من المواطنين الذين اعتادوا سابقاً على تصفح وقراءة الصحف اليومية المركزية القادمة من العاصمة دمشق، بات واضحاً وجلياً مدى تأثير غياب الصحف اليومية عن متناول العامة، والتي كانت فيما مضى من الأعوام السابقة، أي قبل الحرب الإرهابية القذرة تقليداً يومياً امتازت به حلب عن غيرها بوفرة وكثرة منافذ بيع الصحف التي يبتاع منها القارئ والمتتبع صباح كل يوم صحيفته المفضلة ويقرؤها بنهم وشغف وهو يحتسي قهوته الصباحية مع زملائه في المقاهي والمنتديات والملتقيات الأدبية المنتشرة في المدينة، وهو الذي لم يعد متاحاً اليوم في ضوء التضييق المقصود على بيع الصحف وإلغاء مراكز وكوات البيع، وحصرها في أماكن نائية وبعيدة عن وسط المدينة وعن متناول المواطنين.
وفي الواقع حتى اللحظة لم نجد مبرراً مقنعاً من استمرار هذه الحالة التي تنفرد بها مدينة حلب عن غيرها من المحافظات السورية أو حتى العواصم والمدن العربية والأجنبية التي تولي هذا الجانب أهمية بالغة كونه يشكل عاملاً مهماً ومؤثراً في تعميق الحوار الفكري والثقافي والسياسي ببعده المجتمعي والوطني، ويزيد من حالة التفاعل مع مستجدات الأخبار والأحداث اليومية، وهو ما نراه مطلوباً أكثر من أي وقت مضى لخلق حالة من التوازن في المشهد الإعلامي بعيداً عن تشويش وعدم مصداقية إعلام الصفحات الفيسبوكية ومواقع التواصل الاجتماعي.
مما تقدم، ومع الحاجة المتزايدة لتصحيح هذا الملف نتمنى من مجلس المحافظة إعادة النظر بقراره غير المنصف من منطلق دور الإعلام في بناء المجتمعات وشراكته في إعمار الوطن، وذلك عبر إيجاد صيغة مناسبة ولائقة تعيد لصحافتنا الوطنية حيويتها ونشاطها ورمزيتها الوطنية وتفاعلها اليومي مع الجمهور، ونعتقد أن تخصيص عدد محدود من كوات بيع الصحف في بعض النقاط والمراكز القريبة من وسط المدينة لن يؤثر على المنظر العام وعلى جمالية المدينة حسب زعمهم، أكثر مما تشوهه بسطات بيع الدخان وعربات الباعة الجوالة، وفوضوية وعشوائية الأسواق وفضلاتها ونفاياتها المنتشرة طولاً وعرضاً.
معن الغادري