الأزمة السعودية التركية
ترجمة وإعداد : سمر سامي السمارة
كشف تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن وثيقة مسرّبة من مركز أبحاث إماراتي حول خطة السعودية لمواجهة تركيا. وبحسب التقرير بدأت السعودية تطبيق خطة لمواجهة الحكومة التركية بعد أن أكد ولي العهد محمد بن سلمان نفاد صبره تجاه الرئيس التركي أردوغان إثر جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
ويعتبر هذا التقرير الاستخباراتي واحداً من سلسلة تقارير شهرية يعدّها مركز الإمارات للسياسات، وهو مركز أبحاث مقرب من الحكومة الإماراتية وأجهزتها الأمنية.
ويكشف التقرير عن أن أوامر صدرت في الرياض في شهر أيار الماضي تهدف لتطبيق خطة لمواجهة الحكومة التركية، وتهدف الخطة إلى استخدام جميع الأدوات الممكنة للضغط على حكومة أردوغان لإضعافه وإشغاله باستمرار بالقضايا المحلية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى إسقاطه من قبل المعارضة، أو إبقائه مشغولاً بمواجهة الأزمات المتتالية، ودفعه لارتكاب الأخطاء والتي ستكون في متناول وسائل الإعلام.
وبحسب التقرير سوف تبدأ المملكة استهداف الاقتصاد التركي والضغط لتقليص الاستثمارات السعودية في تركيا تدريجياً إلى أن تنتهي تماماً، وكذلك القيام بخفض عدد السياح السعوديين إلى تركيا تدريجياً إلى أن يتمّ إيجاد وجهات بديلة لهم، وكذلك تقليص مستوردات السعودية من البضائع التركية، والأهم من ذلك كله تهميش الدور الإقليمي لتركيا بشأن القضايا الإسلامية. ووفقاً للتقرير فقد اتخذ محمد بن سلمان القرار بمواجهة تركيا بعد اغتيال خاشقجي على يد فريق من العملاء السعوديين داخل قنصلية بلادهم في إسطنبول.
وكان اغتيال الصحفي السعودي، قد أثار موجة غضب عالمية بسبب إستغلال تركيا لقضية مقتل خاشقجي. ويقول التقرير: “لقد ذهب أردوغان بعيداً في حملته لتشويه صورة المملكة، وبشكل خاص في حملته ضد شخص ولي العهد، مستغلاً قضية خاشقجي”. ويقول مركز الإمارات للسياسات في الوثيقة المسرّبة أن تركيا لم تقدم معلومات “محددة ونزيهة” لمساعدة السعوديين في التحقيق في عملية الاغتيال، وإنما سرّبت “معلومات مضلّلة” إلى وسائل الإعلام لتشويه صورة المملكة وتدمير سمعة ولي العهد. ويقول التقرير إن الرياض خلصت إلى أن أردوغان فشل في محاولته تسييس وتدويل القضية، وأنه حان الوقت للانتقام منه. على الرغم من أن الاستخبارات الأمريكية وشخصيات بارزة في الكونغرس الأمريكي، قبلوا بنتائج التحقيق التركي بشأن جريمة قتل خاشقجي، كما خلصت الاستخبارات الأمريكية، أنه من شبه المؤكد أن محمد بن سلمان، وافق على العملية. وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد نقلت عن مسؤول أمريكي على اطلاع بما وصلت إليه الاستخبارات الأمريكية من استنتاجات قوله: “الموقف المقبول أنه لا يمكن بحال أن يقع ذلك دون علمه أو مشاركته”.
منذ ذلك الحين صدر تقرير عن محققة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أغنيس كالامارد أظهرت فيه المصاعب التي واجهتها السلطات التركية أثناء التحقيق في الجريمة، بما في ذلك الدخول إلى مبنى القنصلية ومقر إقامة القنصل العام. وظهرت في الأيام القليلة الماضية أولى المؤشرات العلنية للحملة التي ورد تفصيلها في الوثيقة الإماراتية، حيث منعت السلطات السعودية ثمانين شاحنة تركية محمّلة بالمنتجات النسيجية والمواد الكيميائية من دخول المملكة عبر ميناء ضبا. كما تمّ احتجاز ثلاثمائة حاوية محمّلة بالفواكه والخضار القادمة من تركيا- في ميناء جدة- وذلك وفق ما صرح به مسؤول تركي لصحيفة “ميدل إيست آي. ” وبحسب البيانات الرسمية التي أعلنت عنها وزارة السياحة التركية فإن عدد السياح السعوديين الذين زاروا تركيا انخفض بمعدل 15 بالمائة (من 276000 إلى 234000) خلال الشهور الستة الأولى من عام 2019.
يوجد لدى السعودية قرابة 2 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في تركيا، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية التركية في عام 2018. في تلك السنة، قُدّرت الصادرات التركية إلى السعودية بما قيمته 2.64 مليار دولار، بينما كانت الواردات من المملكة 2.32 مليار دولار. ويذكر التقرير الإماراتي “في إشارة إلى أن القيادة السعودية قطعت علاقتها مع أردوغان وبدأت تعامله كعدو”، أن الملك سلمان وافق “من دون تردّد” على تنفيذ توصية اللجنة الاستشارية بعدم إرسال دعوة رسمية لأردوغان لحضور قمة منظمة التعاون الإسلامي في مكة.