شبابُنا والوظيفة العامّة..!
أن يتنافس عشرون ألف متسابقٍ على 600 شاغرٍ في مؤسسة عامّة، وبنسبة قبول 3%؛ لأمرٌ يستوجب الوقوف مليّاً على واقع شبابنا العاطل عن العمل، الذي ربط عقارب ساعته بضربات قلب الوظيفة العامة دون سواها من مفازات العبور إلى المستقبل.!؟
شبابٌ في ميعة الصّبا وذروة العطاء؛ باتوا وقود المقاهي وحطب الكافتريات؛ التي تغصّ بهم، في رحلة انتظارٍ فطريٍّ للمجهول، واستسلامٍ لا واعٍ للظّروف الرّاهنة، وما يستبطن ذلك من عجزٍ غير مُبررٍ عن اجتراح حلولٍ ذات جدوى في تقطيع الوقت؛ بعيداً عن المكوث في هذي الفضاءات دونما هدف..!
فأغلب شبابنا يقلب أوراق روزنامة العمر؛ من دون أن يُجشّم نفسه عناء التّفكير في تغيير أسلوب حياته الكئيب، أو أن يبحث عن حلٍّ لبطالته.!
والسّواد الأعظم منهم يراهنُ على الفوز العظيم بالوظيفة الحكوميّة يوماً؛ على طبقٍ من ذهب؛ مع يقين أنّها قد تتأخّر كثيراً..! في حين يقع البعضُ منهم – خلال رحلة الانتظار هذه – ضحيّة الإدمان والانحراف. أمّا النّاجون: فتتوه ببعضهم السّبل من جرّاء رفاق السّوء إلى منعطفاتٍ أخرى قد تلامسها سوءًا!؟ انتظارٌ يتّكئ في العمق، وفي اللاوعي على ثقافة جمعيّة متراكمة عمادها أنّ الدّولة – والدّولة فقط دون سواها- هي الضامن الأوحد للرّزق، والمسؤول الكليّ عن توفير الشّغل للمواطن!؟
ولا بدّ من الاعتراف بأنّنا ساهمنا -كمحيطٍ اجتماعي- من حيث ندري، أو لا ندري؛ في تشكيل هذا الوعي الجمعيّ لشبابنا، عوضاً عن السّعي الحثيث إلى فتح مسارب وآفاق استثمار مبتكرة باعتماد التّفكير من خارج الصّندوق، أو باستبدال هذا الصّندوق بصناديق أخرى أكثر جدوى، وألّا تنحصر رؤيتهم للحياة من زاوية مسبقة الصّنع؛ ما يُرتّب عليهم تغيير مناهج تفكيرهم، بتجاوز الأفكار المألوفة والقفز فوقها.
ولا ضير من الاستدلال بأنّ الشّخصيات الأكثر نجاحاً في العالم لم تكن أبداً من صفوف الموظّفين الذين تعجّ بهم المكاتب الحكوميّة، وأنّ الذين برعوا في اكتساب ثروات هائلة في عالمنا اختاروا الابتعاد عن الوظيفة باكراً، وأنّ مشاهير العالم جميعاً؛ الذين تلهج بسيرهم الألسن في شتى أصقاع الأرض، وفي الميادين كافة، وعبر الأزمنة؛ لم يكونوا أبداً من الموظّفين، ولم يُجشموا أنفسهم يوماً عناء البحث عن وظيفة؛ لندرك بعدها خطأ تقدير أبنائنا لآفاق مستقبلهم، وخُطا تلمُّس حلول بطالتهم.!
لنغدو جميعاً أمام السّؤال: لمَ كلّ هذا الإصرار في مجتمعنا على اختيار ألّا نكون من بين هؤلاء الذين حقّقوا ذواتهم من ريادةٍ وشهرةٍ وثروة، في فضاءات العمل الخاصّ بعيداً عن الوظيفة الحكوميّة..؟!
والحال أنّ ما تقدّم لا يعفي الحكومة من واجبها العضويّ بضرورة استنفار مؤسّساتها كافةً؛ للتّصدي الحازم والمسؤول للآثار السّلبية للبطالة والانحرافات التي تؤسّس لها، من عملٍ في الأنشطة غير الشّرعية، كالتّهريب والسّرقة وسواها، ويرتّب عليها واجب دراسة واقع سوق العمل بموضوعيّة وجرأة، لترسيم ملامح سيناريو استقطاب هذه العمالة بالسّرعة القصوى، ووضع الآليّات العملانيّة الكفيلة بامتصاصها. بقدر ما يستوجب من مؤسسات المجتمع المدنيّ؛ إفشاء ثقافة جمعيّة عمادها: أنّ الخيارات الصّائبة لمستقبل شبابنا؛ تقضي بألّا يهدروا زهوة أعمارهم في انتظار أن يكونوا نزلاء الوظيفة العامّة..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com