بعد إطلاق واشنطن سباق تسلّح جديداً موسكو: إجراءات لضمان الأمن القومي الروسي
شيئاً فشيئاً تتضح الغاية الأمريكية الحقيقية من الانسحاب من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وغيرها من الاتفاقات الموقّعة بين واشنطن وموسكو، حيث تؤكد ردود الفعل الروسية على الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ، أن هدف ذلك محاولة جرّ روسيا إلى سباق تسلّح جديد يستنزف طاقاتها في الإنفاق العسكري، ويبرّر خطط حلف “ناتو” في التوسّع شرقاً لمحاصرتها، الأمر الذي يزيد توجّس الأوروبيين من هذه الخطوة.
وفي إطار ردود الفعل المتصاعدة من الجانب الروسي على التجارب الصاروخية الأمريكية الأخيرة، أعلن عضو لجنة الدفاع بمجلس الاتحاد الروسي فرانز كلينتسيفيتش، أمس، أن بلاده ستتخذ إجراءات لضمان الأمن القومي بعد أن بدأت الولايات المتحدة سباق تسلّح جديداً في محاولة لجرّ روسيا إليه، مضيفاً: “حدث رهان على إرهاق بلادنا اقتصادياً، لكن روسيا اليوم لا تنوي التنافس مع الولايات المتحدة في هذا المجال من دون إدراك للعواقب”.
ودعا كلينتسيفيتش الأمريكيين للتخلي عن أوهامهم، قائلاً: “سيتم الحفاظ على توازن القوى الاستراتيجي في العالم، وقدراتنا الحالية في مجال التقنيات العسكرية المتقدمة تسمح لنا بحل هذه المشكلة دون التسبب بأي ضرر في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لروسيا”، ولفت إلى أن تطوير واختبار الصواريخ الأمريكية المحظورة بموجب معاهدة حظر الأسلحة النووية تزامن مع دعوة روسيا لحضور قمة مجموعة السبع، معتبراً الدعوة إلى هذه القمة مجرّد مناورة لتشتيت انتباه موسكو، وهي ببساطة ليست مضطرة لحضورها.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الثاني من الشهر الجاري انسحاب بلاده رسمياً من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، لتعلن الخارجية الروسية في اليوم نفسه أن سريان المعاهدة انتهى بمبادرة من الولايات المتحدة التي فضّلت كعادتها مواصلة اتهاماتها وخطواتها الأحادية للمضي قدماً في سباق التسلح.
وفي مجلس الأمن، أكد نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، أمس، أن موسكو وبكين طلبتا من مجلس الأمن الدولي عقد جلسة مشاورات لبحث خطط واشنطن لتطوير أنواع مختلفة من الصواريخ كانت محظورة بموجب المعاهدة الروسية الأمريكية بشأن الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بداية الأسبوع أنها اختبرت صاروخاً مجنّحاً بمدى 500 كيلومتر، وذلك في أول تجربة بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى.
وأشار الكرملين أمس الأول إلى أنه يعتبر إطلاق واشنطن لصاروخ محظور بموجب اتفاقية الحد من الأسلحة النووية دليلاً على أن الأمريكيين كانوا يعملون أصلاً على تقويض المعاهدة، موضحاً أن “هذا يشهد مرة أخرى على أنه ليست روسيا، لكن الولايات المتحدة هي التي أدّت من خلال أفعالها إلى انهيار معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى”.
إلى ذلك، حذّر وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالينبرغ من خطر سباق تسلّح جديد بين الولايات المتحدة وروسيا، وذلك بعد قيام واشنطن مؤخراً بالانسحاب من معاهدة الحدّ من الصواريخ النووية المتوسطة المدى الموقعة بينهما عام 1987، وقال: إن “وقف العمل بالمعاهدة يخلّ بالأمن الدولي، ويشكّل خطراً على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”، داعياً إلى منع سباق تسلح جديد في أوروبا من شأنه تهديد أمن القارة، واعتبر أن الخطوة الأولى يجب أن تتمثل بإعلان طوعي بعدم نشر صواريخ متوسطة المدى في أوروبا من الطرفين.
وفي شأن متصل، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمس، أن الانتشار المتزايد لقوات الناتو في دول أوروبا الشرقية يشكّل عاملاً رئيسياً لتوتير الوضع على الحدود الغربية لروسيا، وقال خلال افتتاح جلسة قيادات وزارة الدفاع: إن “الوضع يتميز بتعزيز الوجود العسكري لحلف الناتو في أوروبا الشرقية ونشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي في بولندا ورومانيا وتوسيع التعاون العسكري للتحالف مع فنلندا والسويد”، مبيّناً أن روسيا تتخذ مجموعة من التدابير للتخلص من هذه التهديدات.
وكان شويغو أكد مؤخراً أن موسكو لا تخطط لنشر الصواريخ التي تنتهك اتفاقية الأسلحة النووية المتوسطة المدى في أوروبا أو آسيا إلا إذا أقدمت الولايات المتحدة أولاً على خطوة مماثلة.