ما سر انسحاب الإمارات؟
كشف استيلاء قوات “الحزام الأمني”، المدعومة إماراتياً، على عدن وأبين، مؤخراً، وجود تباين في الأجندات السعودية والإماراتية، فالوضع أصبح معقّداً في ظل التحارب بين الحلفاء على الأرض اليمنية، ما يبيّن أهدافهما الحقيقية، خاصة وأن موقف النظام السعودي والتزامه الصمت إزاء قرار شريكه الإماراتي يضع أكثر من علامة استفهام، فهو لم يصف ما حدث بأنه انقلاب على حكومة الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي، التي يصفها بالشرعية، رغم أنها شنت حرباً تدميرية ودموية ضد الشعب اليمني.
كما أثبتت الأحداث أن بن زايد وبن سلمان استخدما هادي كمظلة لمواصلة الحرب العدوانية في اليمن وتمزيقه، وهما بحجة الدفاع عن شرعيته يسمحان لقوات “المجلس الانتقالي” بالسيطرة والتمدّد، وهذا يزيد الاقتتال، ويؤجج الانقسام في جنوب البلاد، الذي يسعى كلا البلدين إليه، لضمان مصالحهما ومخططاتهما في المنطقة، ناهيك عن مخاطر استمرار حالة عدم الاستقرار ودخول المنطقة في فراغ أمني يعطي زخماً للحركات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” لفرض نفوذهما على الواقع الجديد في هذه المناطق، واستقطاب مرتزقة مجندين جدد.
ورغم مزاعم متزعمي البلدين بأن “العلاقات بينهما لا تزال متينة وصلبة”، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة الخلافات بينهما وتباين رؤيتهما، ويبدو أن إعادة اللحمة لهذه العلاقات وحتى في بعض السياسات الإقليمية، وبالصورة والسياق الذي كانت عليه قبل خمس سنوات، بات صعباً، وهذا يعني حقيقة لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها، وهي أن التحالف الذي يقوده النظام السعودي قد تصدّع، هذا إن لم يكن قد انفرط عقده، وانعكس ذلك من خلال المواجهات بين الميليشيات التي تتبع كلا الطرفين في عدن وأبين.
ويرى مراقبون أن حالة الفتور بين السعودية والإمارات لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت بعد قراءة إماراتية للأوضاع في اليمن والمنطقة، بعد أن استوعبت درساً مهماً عقب الهزائم المتعاقبة للتحالف، وما خلّفته حتى الآن من انتكاسات مريرة وموجعة لحقت به، ناهيك عن إخفاق السعودية الذريع في اليمن، وفشل سياستها الإقليمية في الملفات الإقليمية، وكذلك فشلها في إنشاء ما يسمى بـ “محور اعتدال عربي” بقيادة ورعاية أمريكية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتمرير ما يعرف بـ”صفقة القرن”.
في هذا السياق يمكن فهم إعلان الإمارات نيتها سحب قواتها من اليمن، لكن لا بد من الإشارة إلى أنه للإمارات طموح بإقامة مناطق نفوذ لها في اليمن، وهو ما ترجم عملياً عبر إنشاء ميليشيات محلية على الأرض تابعة لها تكفل استدامة وبقاء نفوذها على الكثير من مناطق الجنوب اليمني، خاصة المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الموانئ والجزر والثغور ذات الأهمية الجيوسياسية، وفي المناطق البعيدة عن مياه مضيق هرمز في القرن الإفريقي في عدد من موانئ إريتريا والصومال وليبيا، تاركة النظام السعودي يتخبّط وحده عسكرياً ومالياً في اليمن.
في كل الأحوال، الخلافات بين الإمارات والسعودية، قديمة ومتجذّرة، نشأت على النفوذ والسيطرة والتبعية، وتبيّن وثائق “ويكيليكس” المسربة أن ولي عهد أبو ظبي كان يحرّض مسؤولين أمريكيين على النظام السعودي، بينما كان يتظاهر في العلن أنه حليف له، كما كشفت تسريبات لوثيقة تعود لتشرين الثاني 2010 أن الحاجة الوقتية جمعتهما في هذا الحلف المؤقت، ويقول بن زايد: “خاضت الإمارات 57 معركة ضد السعودية خلال الـ250 سنة الماضية، والسعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء، وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”.
كما تكشف وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى 25 حزيران 2008 أن وزير الخارجية عبد الله بن زايد كان يحاول تحريض الأمريكيين على السعودية، وقال لمسؤول أمريكي: “إنه لا يرى في الأمراء السعوديين الأصغر سناً أي وجوه واعدة”.
صلاح الدين إبراهيم