أهي حرب باردة مع الصين؟!
علاء العطار
يتزايد الحديث في الأروقة السياسية والصحافية عن حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة وأندادها من القوى العظمى، وإذا نظرنا إلى الطريقة التي بدأت بها الحرب الباردة، يبدو الأمر وارداً جداً، فهناك العديد من أوجه التشابه، كوجود تنافس تكنولوجي، وتنافس استراتيجي في الشرق الأوسط، وتنافس في مجال الفضاء، وأزمة الصواريخ بين الولايات المتحدة والصين من جهة، والولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى، كما حدث أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق.
ويبدو أن الولايات المتحدة انخرطت بحرب باردة مع الصين بطريقة أو بأخرى، وهي حرب قد تزداد حدتها، إذ إن هناك العديد من المناطق التي يمكن أن تصطدم فيها الولايات المتحدة والصين، كبحر الصين الجنوبي، وكوريا الديمقراطية، وتايوان، والشرق الأوسط، ناهيك عن ذكر أن الولايات المتحدة والصين خاضتا حرباً في كوريا خلال حقبة الحرب الباردة.
ويتمثّل التناقض الأمريكي في أن اقتصادي الولايات المتحدة والصين متشابكان بشكل معقد، ورغم ذلك تشن الولايات المتحدة حرباً تجارية مكلفة على شريك تجاري هائل، كما من المتوقع أن تتخطى الصين الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الحالي في السنوات العشر المقبلة، إلى جانب أن قدرة الصين على الابتكار التكنولوجي كبيرة للغاية.
والآن يزيد ترامب من حدة الحرب التجارية مع الصين، ويحثه العديد من السياسيين وصنّاع القرار على مواصلة رفع مستوى التوتر، وزادوا من انتقاد ممارسات الصين الاقتصادية بحجة أنها قيّدت وصول الشركات الأمريكية إلى الأسواق، ودعوا إلى وضع حد لذلك، وهو ما يؤكده اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات ضد عملاق الاتصالات “هواوي”، وذلك لحرمان الصين من تحقيق حلم الريادة في المجال التكنولوجي، ولم يتوقف الأمر عند هذه الشركة فحسب، إذ تحارب الولايات المتحدة الشركات الصينية، وتسعى لعرقلة مبيعاتها، ناهيك عن ذكر التعرفة الجمركية التي فرضتها على الواردات الصينية، وهو ما جعل الصراع الأمريكي- الصيني يصل إلى مستوى غير مسبوق فيما يتعلق بالنواحي التجارية، والاقتصادية، والمالية.
وواشنطن إذ بدأت هذه الحرب الاقتصادية، دخلت في الوقت ذاته في سباق تسلّح محموم مع الصين وروسيا، خاصة بعد انسحابها من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى للتملّص من التزاماتها الدولية، الأمر الذي رفع مستوى التوتر بين الدول المذكورة بشكل ملحوظ، وأدى بطريقة أو بأخرى إلى تمتين العلاقة بين بكين وموسكو للوقوف في وجه التنمر الأمريكي، وامتصاص الآثار السلبية لهذا الصراع.
إن افتعال حرب باردة مع الصين ليس مرده التصرفات الصينية المزعومة، بل الوساوس الأمريكية غير الجديدة بفقدان مركزها كقوة عالمية مهيمنة، وهي لا تطيق فكرة أن تهيمن الصين على نصف الكرة الغربي كما هيمنت هي على شرق آسيا، وما الجديد سوى قدوم ترامب إلى سدة الحكم، إذ إنه يحمل ضغينة ضد الصين، وغيرها، بما أنه مصاب برهاب الأجانب، وأصبحت هذه الدول شماعة يعلّق عليها ترامب الفشل والمشاكل التي تكابدها بلاده، وتنظر إدارته إلى الصين على أنها “أكبر تهديد وجودي واجهته الولايات المتحدة”، وتمثّل الحل الذي اقترحته الإدارة لمواجهة هذا “الخطر” في “احتواء الصين” تكنولوجياً، واقتصادياً، وعسكرياً.
والإدارة محقة في اعتبار نهوض المارد الصيني تهديداً للمصالح الأمريكية طالما أن الولايات المتحدة تحصر مصالحها في الحفاظ على هيمنتها العالمية في كل مكان وزمان، ولا يهتم النظام السياسي فيها إلا بتزعم العالم، وهو ما يتوضح في طريقة ممارسة ترامب للرئاسة.
تستند استراتيجية إدارة ترامب في احتواء الصين إلى أربع دعائم، بحسب مجلة “ذا سبيكتيتور”، أولها: كبح النمو التكنولوجي الصيني، وتحدي قدرتها على استغلال التكنولوجيا لإظهار نفوذها وقوتها، وثانيها: تركيز الجهود في سبيل تخفيض الاعتماد الاقتصادي على الصين، وهو ما يبرر فرض التعرفات الجمركية، وتثبيط الاستثمار الأمريكي في الصين، وثالثها سعي الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في آسيا كقوة موازية للصين، وهذا يعني تعزيز شراكاتها الدفاعية مع الحلفاء الرئيسيين كاليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، بل يشكّل تحدياً صعباً أمام الإدارة، والدعامة الرابعة هي بذل جهد واسع لتحسين القدرات الهجومية الأمريكية لمواجهة احتمال دخول حرب عسكرية مع الصين.
يقول الباحث الأمريكي دينيس التير: إن الاضطراب الحاصل في هونغ كونغ كان نتيجة “تواطؤ بين واشنطن و”مجموعة من الأوليغاركيين في هونغ كونغ” في سبيل زعزعة استقرار الصين، وهذا “مسعى عقيم ولن ينجح أبداً، لكنه يتوافق تماماً مع رغبة الولايات المتحدة في خلق أكبر قدر ممكن من الاضطرابات في الصين”، ويتابع بقوله: “أمست المكائد الأمريكية مع تعمّق الأزمة أكثر وضوحاً، الأمر الذي عزز المشاعر الوطنية لدى الشعب الصيني في الداخل والخارج على حد سواء”.
ويجادل التير بأن واشنطن لا تمتلك فرصة في هزيمة بكين، رغم أنها تركز على ما تعتبره أفضلية تمتلكها على الصين في محاولة احتوائها وزعزعة استقرارها اقتصادياً، وعسكرياً، ودبلوماسياً، لكن الصين “سوف تتغلب على هذه العاصفة وتخرج منها سالمة”.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل بمقدور الولايات المتحدة حقاً استيعاب الصعود الصيني؟ يصعب التكهن بذلك، خاصة أن الولايات المتحدة لاتزال تنظر إلى الصين على أنها منافس فقير وضعيف نسبياً، ولا يتجرأ على الرد بالقدر نفسه، غير عابئة لحقيقة أنها حققت إنجازات كبيرة في العديد من المجالات على مدى عقود لتصبح في مصاف الدول العظمى في العالم، واستعادت مكانتها التاريخية في قمة الثروة والنفوذ، وتعد الآن في نظر المحللين والخبراء أقوى خصم تواجهه الولايات المتحدة، وهي خصم مهول عقد العزم على بسط نفوذه حتى لو اضطر إلى خوض حرب كبرى في سبيل ذلك، الأمر الذي سيزيد من فرصة فوزه في هذه الحرب الباردة، والعسكرية إن حدثت.