ثقافةصحيفة البعث

عبر خواطر شعرية.. نبيل طعمة ينسج الشك باليقين

 

الإيمان والشك هما بيت القصيد في جديد الباحث والدارس نبيل طعمة، لكنه هنا بين الشك واليقين يستعين بالشعر لعله الأسرع وصولا إلى الآخر، فيجمع من حيث الشكل ما بين الخاطرة وما بين القصيدة المعاصرة، التي شقت طريقها عنوة وربما بما لا يرضي العروضيين المتشددين، وهم من لا يعترف ولا يقر شعرا خارج بحورهم، مع أنهم حولوها إلى توابيت، مهمتها تحنيط المعاني بصور لم تعد كافية وحدها لاكتساب هوية الشعر أو اجتياح قلوب القراء، فكان هذا العزوف القاتل والذي يحاول المفكر أن يعيده بموسيقاه الدافئة.

صاحب الخواطر منصرف كليا عن الشكل إلى المضمون وكونه صاحب رسالة لا يهمه من أمر رسالته سوى إعلانها وإيصالها لمن حوله، وهو يهتف: من له أذنان سامعتان  فليسمع، وهذه الخواطر حبات حنطة ضمن السنابل تحت أشعة الشمس تدعو الجميع لفهم نموها من يفعل لها فعلها يرى النتائج بعد فرك قشورها، وهي في الوقت ذاته شهد من صبا وهو يبحث عن صاحب الكون المهيب.

يهمه جدا أن يُعمل فكر من حوله، وأن يشغل بال مستمعه، ولا يأبه بعد ذلك بكل المخاطر التي تحيق بصاحب الرأي، يعلن إيمانه، بل يؤكد اليقين لديه، ثم لا يجعلك تركن إلى هذه المسلمة، فيقوى على الشك بضمير مرتاح للغاية، فالعقيدة لديه شك ويقين، وحين يعلن إيمانه فلك وحدك يخط إيمانه ولك (المخاطبة) إيمانه بك، لولاكما ما كنت أؤمن وأشك، وهذا مهدى إلى قرائه، وليس لامرأة أو رجل، لصديق أو صديقة.

في الخاطرة الأولى إعلان صريح للشك وأسبابه وتبعاته وهدفه وها هو نبيل طعمة يقول بعظمة لسانه:

شككت من أجلك في العالمين/وغدا هذا يلومني/وذاك يقول عني/ملحد أو مشرك/أو محب/أمين

وهو يؤكد تركهم يهتمون بشؤونهم:

أودعتهم دنياك/ ورحت/ إلى شك بك/ أبحث في تكوينك/ وغايتي كانت دائمة/وصولي  إليك/ إلى نور اليقين..

وهو في هذا يلتقي بالمتصوفة في البحث عن نور اليقين، فهل جعل الشك واليقين لحمة وسدى للإيمان والعقيد لكي تستوي الحياة الروحية؟.

بعيدا عن الشبهات التي تكثر كلما تناسلت المذاهب والطوائف وتعددت الطرائق، بحيث يضيع فيما بينها الحق، بل علم الحقائق فهذا يدعو للصراط المستقيم وتجد ذاك مزهوا ص7، يشير بإصبعه أن هذا كافر أو ملحد/ زنديق من الأرائك.

لم أتبين على نحو واضح ماهية الشك عند الباحث نبيل طعمة، ولا كينونة هذه الفعالية الذهنية البحتة، لكن بعض الومضات الشعرية تسلط الضوء عما يساوره من شكوك: كلما اغتنيت/ شعرت أني فقير بائس/ كلما تعلمت اكتشفت جهالتي/ أسعى لتسوية معه/ لفهم انحرافها/ وما استويت.

ولعل القارئ الحصيف يجد ما لم أجده، أما اليقين فإنه الأصل عنده، وما قاله في هذه الخواطر واضح المرام: “فكتبت ما لا يكتبه غيري من البشر، فهل أفلح في هذا المسعى أم أنه ظل حيث يجب أن يظل بعيدا عن الأحادية التي سلط كل أضوائه عليها؟ أحادية الشك أو أحادية اليقين، أن تظل في شك دائم معضلة، وأن تظل في يقين تام وجه آخر للمعضلة إنه الكسل المورث للبلادة الذهنية والانسان كائن عاقل.

لكنه يعلن أن خواطره قد جاءت من الأفق البعيد، تحاكي خوفه وخوفنا،، تناجي عشقه وعشقنا، تناجي عالم الكون المهيب وهو يبحث عن صاحب الكون المهيب، فأي رسالة وأي إيمان غنوصي هذا؟

ويكتمل العشق وتكتمل المناجاة بكأس يطلبها من ساقي الحانة لتصب فيه سرورا واتحادا وألقا ص33، وهو الذي  شرب الخمر في الحانة حتى انتشى زهده ورمى عنه ثوب ضعف الفقراء، وقد أخذه الحال فسار في طريقه طويلا حتى تساوى عنده إصباحه والمساء، ومع سيل من الأسئلة كان التأكيد بأنه يعيش أهل الحال، في حال.. وبدت له الحياة دعابة لا طول فيها ولا قصر، أما الحقيقة فبدت له شائكة متمردة، لكن الكفاح يحقق للانسان معناه فيصنع التاريخ، لأنه بقلب وجنان يحيا إذا هوى ثائرا كبركان يركب الصعاب يقاتل الردى ص89

ومن الشك الذي يلف حياته واليقين الذي يسكنه إلى الكفاح والثورة إلى الخمرة موضوعات تعددت لتصل إلى الحب وهو موضوع الموضوعات كلها في خاطره وخواطره، فكيف هو ومن أين يبدأ وإلى أين ينتهي هذا إذا كان للحب بداية أو نهاية؟   لكنه هنا في لقاء مع سيدة لم يعرف تاريخ النساء مثلها (عبثا أبني وأعشق دونها).

وفي عشقه يتجلى جمعه المادي والروحي لهذا العشق فمثلما يطلب الحب غاية روحية هي مصدر سعادة ينتظر من الحبيبة استنفارا واعدا بالتحام الجسد مع الجسد ص94.

ويكشف ما من عادة العشاق تجنب التصريح إلى التلميح: والسماء ترقب كيف يحدث العشق، وكيف يتم اللثم والعناق، وتداخل.. ص106

في هذه الخواطر محاولة للخروج عن إطار الصور البيانية ومقومات إيصال النص الشعري عبر جماليات القافية أو موسيقى النص الداخلية.

هنا نوع من المباشرة في طرح معتقدات ومواقف أتيت على بعضها وتجاهلت  بعضها، ولاسيما من بدا أنه اليأس من أحلام العرب, راجيا أن يضطلع غيري من الدارسين لفكر ومقولات نبيل طعمة بقراءة أعم وأشمل، تكون فيها النقاط على الحروف دون أي موقف مسبق مستند إلى ما تحمله النصوص من حروف لا روح فيها غير روح النقل ولا دور فيها للعقل.

الرحيم أنت/إليك أتوب/هويت إلى الدنى/بعد أن تكاثرت الذنوب/خذني من شدة/أنت صاحبها/وبعدها دعني/أسكر معك/قبل أن إليك أتوب

رياض طبرة