“على أساور الأكمام”.. كتاب شخصي مهم
تحت عناوين مختلفة يسرد الكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف في كتاب “مذكرات على أساور الأكمام” سيرة حياته منذ ولادته في كييف عام 1891 ودراسته فيها وتخرجه في كلية الطب عام 1916 ونيله لشهادة الطب وكتابته عام 1919 لأول قصة قصيرة ووصوله لموسكو وهو خالي الوفاض من النقود ومعاناته الطويلة لتأمين وسيلة الاستمرار في الحياة وكتابته لمقالات نقدية ساخرة ومن ثم قصص تنهل من الواقع.
على ضوء مصباح
كُتبت مذكرات “على أساور الأكمام” على امتداد ثلاث سنوات تقريباً، وقد انبثقت مما دوّن من ملاحظات ويوميات في فلاديقوقاز ومسودات كتبت في باتومي وموسكو وقد نشر مقتطفات منها وقرأها على الحاضرين لتكون فيما بعد كتاب شخصي مهم أنجزه على ضوء مصباح كهربائي باهت، وهو الذي ينطوي أساساً على فكرة محببة إلى قلب المؤلف تقول إن من المستحيل إيقاف الحياة وقد ضمنه مثله العليا ومبادئه الحياتية، كما يتحدث فيه عن أشياء حزينة بل مأساوية بطريقة مرحة فيتناول ظروف حياته كطبيب أثناء الحروب والأحداث التي مرت بها روسيا القيصرية وتحولها إلى الاتحاد السوفييتي والحرب العالمية الأولى.
ضرورة حتمية
كتب ف. ساخاروف في مقدمة الكتاب أن مقارنة نص “مذكرات على أساور الأكمام” مع مصادر تاريخية مختلفة من رسائل، يوميات، مذكرات”، وما شابه تبين أن الكاتب يدفع بالزمن إلى الأمام على هواه بكلام آخر يختصر الأحداث، ويبدل الأسماء الحقيقية وأسماء الأُسر، وإذا كان هذا غير مسموح به في المذكرات ففي الأدب الأصيل لا يمكن تحاشيه بل هو ضرورة حتمية حيث ينظر بولغاكوف في “مذكرات على أساور الأكمام” إلى الأحداث وإلى بطله من بعيد وتولد القصة من السيرة الذاتية في نماذج فنية تتجسد فيها بعناء كبير الحقيقية التي اقتنع المؤلف بوجودها، مبيناً أن الدراسات والتعليقات والنقد الذي تناول “مذكرات على أساور الأكمام” وأعمال ميخائيل بولغاكوف المبكرة الأخرى التي لم تبلغ درجة الكمال والدقة المطلوبة أن الكاتب عاش واقعاً ملموساً، والعنوان نفسه “مذكرات على أساور الأكمام” يدل على عدم استكمال الملاحظات في دفتر اليوميات وأنها كُتِبَت بسرعة ولم يكن بالإمكان تجنبها في ظل الهرج والمرجل اللذين كانا يعمّان البلاد وما كان يعصف بها من أحداث تاريخية جسام، وأن بولغاكوف نشر نثره المبكر في أصعب ظروف الحياة الروسية وأعقد لحظات التاريخ الروسي ويحتفظ هذا النثر بأهمية الوثائق الإنسانية والشهادة التاريخية، ولهذا تتالى كتاباته في هذا الكتاب مع ما مر في حياته من أحداث وليس مع زمن كتابتها.
السمو بالشخصية الإنسانية
ضم الكتاب مجموعة من القصص التي كتبها بولغاكوف والتي هي سيرة ذاتية لما مر معه والتي جاءت تحت عناوين: “في ليلة الثالث من الشهر، مغامرة عجيبة لدكتور، التاج الأحمر، حكاية صينية، أسبوع ثقافي، القوقاز، موسكو، ذكريات، بحيرة الكحول” مشيراً ناشر الكتاب إلى أن كتابات بولغاكوف جاءت لتخدم قضية السمو بالشخصية الإنسانية وتجاوز ما فيها من أنانية وزيف ورياء حيث تصور أعماله الحياة العادية للناس دون حذلقة أو تلوين فهو لا ينفك ينتقد بتهكم مر وسخرية لإذاعة أولئك المتسلقين والانتهازيين الذين ينقلون البندقية من كتف إلى أخرى ويجنون من ذلك المناصب والمكاسب، وبالوقت الذي قوبلت فيه مواقفه تشجيعاً من قبل مكسيم غوركي قوبلت كذلك بانتقادات مريرة واتهامات له بسوء النية وهو الذي جاع في موسكو ونام في الشارع حين وصوله إليها من فلاديقوقاز ولكنه لم يهادن ولم يساوم وبقي حتى الرمق الأخير مصراً على نقل ما يراه بعينيه لا ما يراه الآخرون.
رحل بولغاكوف في موسكو عام 1940 بعد أن أحرق مخطوط روايته “المعلم ومرغريتا” التي أنقذتها زوجته لترى النور بعد وفاته وقد أصبحت درة من درر الأدب الروسي والعالمي، وفي عام 2007 صدر قرار عن حكومة موسكو بتحويل البيت الذي كان يقطنه إلى متحف.
الكتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ترجمه من الروسية إلى العربية شريف ناصر، يقع في 272 صفحة من القطع المتوسط.
أمينة عباس