نرفع لها القبعة!
يتفق الجميع على أن سنوات الحرب كانت بمثابة امتحان حقيقي لإمكانيات المرأة التي تعرّضت للعنف بأبشع صوره، ولكنها لم تستسلم، بل اقتحمت ميادين العمل، وأثبتت بشهادة المجتمع أنها أكثر كفاءة وديناميكية في العمل، فلم يعد دورها مقتصراً على الوظائف المكتبية والإدارية، بل تخطته ليكون لها حضور حقيقي في ساحة العمل المهني، وأصبحت مفصلاً مهماً من مفاصل الحياة، كما كانت الشريكة الحقيقية المتواجدة جنباً إلى جنب مع الرجل في المعامل والمؤسسات، غير آبهة بصعوبات العمل، وهذا الاعتراف ليس من قبيل المجاملة، بل توثقه مواقع العمل المختلفة، بما فيها الأعمال الميدانية، أو المجهدة، فكانت المهندسة العاملة في مراكز التحويل، وفنية الكشف والتأشير، وعنصر الضابطة العدلية، وعاملة الإنتاج، والمديرة، وقبل ذلك كله الأم والمربية الفاضلة التي نرفع لها القبعة، وننحني أمام عطاءاتها وتضحياتها.
وقد يكون من الظلم الاستمرار في محاولات الطعن في أهليتها، والإمعان في مشروع استبعادها استناداً إلى تجربة فشل حضور المؤسسة النسائية ممثّلة بما كان يعرف بالاتحاد النسائي الذي لا يمكن إنكار دوره القيادي في فترات سابقة إلى أن رفعت أصابع الاتهام في وجه القيادة النسائية التي كانت أكثر عزلة وتقوقعاً في مكاتبها، ونخبوية في عملها، وهذا ما جعلها تفقد قاعدتها الشعبية ودورها كحاضنة وراعية لحياة النساء السوريات اللواتي لم تمد لهن يد العون في تلك الآونة، واقتصر العمل على بعض المبادرات المتواضعة التي لا تتناسب مع حقيقة الدور الذي كان من الممكن أن يلعبه الاتحاد النسائي في تغيير واقع المرأة، سواء من ناحية الدعم، أو من ناحية التوجيه والإرشاد.
طبعاً اختلاف ظروف الحياة من الناحية المعيشية الاقتصادية والاجتماعية الأسرية التي نلخصها بعبارة “الظروف الاستثنائية” لم يغير أو يبدل موقف الكثير من الرجال من دخول المرأة مجالات عمل جديدة كانت في الماضي القريب حكراً عليهم فقط، ولذلك يحاولون دائماً اصطياد تقدمها ونجاحها بصنارة التشكيك بقدراتها، واتهامها بشكل مباشر فيما يمس كرامتها وأنوثتها التي تصارع من زمن أكل التفاحة حتى هذه اللحظة، لتثبت أنها نصف المجتمع الذي كان ولايزال ضائعاً في زحمة التحديات والهموم، وخاضعاً لمفاهيم المجتمع الذكوري، وثقافة العيب التي تحلل كافة تصرفات الشاب، وتحرم بل تصادر أبسط حقوق الفتاة في ممارسة دورها كشريك فعال متحرر من تسلط تلك العقلية الذكورية التي تضعها دائماً في المرتبة الثانية، وتقيد حريتها بمفهوم “ناقصة العقل”.
بالمختصر لن نكون ملكيين أكثر من الملك في تفكيرنا ومواقفنا، ولن ندعي المناصرة الكاملة للمرأة التي قد تشوب أداءها بعض الثغرات، ولكن كثرة حالات العنف الاجتماعي، وتأصل النظرة الدونية لها في المجتمع يتطلبان بذل المزيد من الجهود والتعاون والتنسيق لاستثمار طاقاتها بالشكل الأمثل، وإخضاع تجربتها وقدراتها إلى اختبار جديد وحقيقي في مرحلة إعادة الإعمار؟!.
بشير فرزان