تلسكوب “القروض”!
أثار منح إحدى النقابات المهنية قرضاً بقيمة 15 مليار ليرة حالة من الجدل حول مشروعية القرار والجدوى التي يحققها، حيث اعتبره البعض تحولاً في استراتيجية الأولويات لدى الحكومة التي تبنت نهج القروض الإنتاجية، ووضعه البعض الآخر في خانة الاستفزاز للشارع كونه يمثل في جوهره ابتعاداً حقيقياً عن مقولة “رضا المواطن” التي بقيت شعاراً ورقياً دون أن تحقق هدفها، باعتبارها المعيار الأول في تقييم العمل الحكومي المندرج حالياً تحت مظلة “الذرائعية” التي شرعنت كل ما يتم، وأطرته ضمن قوالب الحالة الاستثنائية والظرفية.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا.. إذا كانت السيولة المالية الكبيرة المتوفرة قادرة على منح القروض بمليارات الليرات.. فلماذا لا يتم استثمارها فيما يخدم المواطن، وعلى سبيل المثال هنا نذكر مثلاً: منح قرض لإعادة إعمار مدينة عدرا العمالية وبشكل يساهم في الإسراع بخطوات الإنجاز يعيد الآلاف من أهالي المدينة إلى بيوتهم؛ وبذلك تتحقق فائدة مزدوجة من خلال: أولاً عوائد الأقساط التي ستدفع، وثانياً عبر تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للعائلات المنكوبة، ونعتقد أن لذلك عائدية أكبر، ويحقق السياسة الاقتصادية الهادفة إلى تحسين الحالة المعيشية بشكل غير مباشر.
وبالعودة إلى الأولويات المفقودة في المنظومة التنفيذية والتي من الضروري الآن في هذه العبثية الاقتصادية التذكير بنقاطها الأساسية المتعلقة بتحفيز القطاعات الحقيقية والأساسية، كالزراعة وتحريك الإنتاج الصناعي من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم اقتصاد الأسرة.. نجد أن الاستراتيجية التي وضعت وقدمت للرأي العام بقيت عالقة في أبراج الحلم والنظر من تلسكوب المثالية المفرطة إلى واقع الحياة الفعلي بكل ما فيه من أخطاء وممارسات مرتكبة بحق المجتمع الملفوح دائماً بخيبات الأمل، وطبعاً لا تندرج هذه المقاربة في أتون التشكيك بالنوايا أو التقليل من شأن الجهود التي تبذل، بل هي مكاشفة شفافة للعمل الوزاري والأداء الحكومي بشكل عام دون الدخول في التفاصيل التي يختبئ فيها شيطان الانتقادات اللاذعة بكل ما تتضمنه من تحفظات على عمل غالبية الوزراء.
لاشك أن الاستثمار الأمثل يحتاج إلى الكثير من الخطط التي من شأنها تحديد مسارات صحيحة للأموال المصرفية التي تتيح الكثير من الفرص للتقدم بشكل واثق في برامج إعادة الإعمار وخاصة لجهة الدعم المصرفي المدروس لتوطين بعض الأعمال في مجالات مختلفة وتحديداً في القطاعات ذات الأولوية وبشكل يقلل من سيطرة المستثمرين واحتكارهم الذي يضر بالمصالح الوطنية نتيجة ارتداداته العنيفة على الواقع المعيشي للناس، وطبعاً تحقيق ذلك يتطلب التدقيق في نوعية وجودة العمل المؤسساتي والخدمات المقدمة منه بما يعيد قوة الدولة وحضورها الذي هو في النهاية نتيجة حتمية لإيمان المواطن وثقته بمؤسساتها..!
بشير فرزان