نهايــــة اللعبـــــة
عاد النظام الأردوغاني الإرهابي إلى التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور ردّاً على التقدّم الميداني المهم الذي أحرزه الجيش العربي السوري في ريفي إدلب وحماة مؤخراً، فهل كان الرئيس التركي ساذجاً إلى حد الاعتقاد أن سورية ستتحمّل مماطلته في تنفيذ اتفاقات أستانا وسوتشي، ودعمه الإرهاب، إلى ما لا نهاية، رغم أنها لم تترك مناسبة إلا وأكدت فيها أن جيشها ماض في محاربة الإرهابيين حتى تطهير آخر شبر يسيطرون عليه؟!. ومع ذلك اختار السلطان المغرور الرهان على مرور الوقت لفرض الأمر الواقع وتحقيق أطماعه في إدلب.
أن يحرر الجيش السوري أرضه من الإرهابيين، ويحاصر نقطة المراقبة التركية، التي تمدهم بالأسلحة، في مورك، فذلك أمر يثير حفيظة النظام الأردوغاني وحنقه الشديد، أما أن يهبّ هذا النظام لدعم الإرهابيين، وتتحوّل نقاط المراقبة التركية إلى نقاط احتلال لحماية الإرهاب، ومده بما يحتاج من عتاد وأسلحة، فأمر عادي يجب على سورية القبول به كما يتوهم زعيم الإرهابيين!.
ولا ينسى النظام الأردوغاني أن يعيد التذرّع بالحجج الواهية ذاتها للتغطية على حقيقة رعايته المستمرة للإرهاب في سورية، وأهمها المسألة الإنسانية والأمن القومي التركي.. ويا له من استخفاف بائس بالعقول، إذ من سيصدّق هذه المشاعر الإنسانية الفياضة التي لا تظهر إلّا عندما يتمكّن الجيش العربي السوري من دحر الإرهابيين، أما أن يتخذ هؤلاء الإرهابيون المدنيين دروعاً بشرية، ويخضعونهم، على مدى سنوات، لأكثر الممارسات قمعاً وتنكيلاً، فأمر لا يثير إنسانية أردوغان المصطنعة أبداً.
وأما بخصوص الأمن القومي التركي، فمن الذي كان السبب في تهديده والعبث به؟!. ألم يكن هذا الأمن محفوظاً على أفضل نحو ممكن بموجب اتفاقية أضنة مع سورية أيام كانت العلاقة بين البلدين الجارين في أحسن أحوالها؟. ومن الذي استقبل الإرهابيين من أربع جهات الأرض، وأدخلهم إلى سورية بهدف إسقاط دولتها وتقسيمها؟. حتى إذا فشلت المؤامرة، وانقلب السحر على الساحر، أصبح الأمن القومي ذريعة النظام التركي لتبرير الاستمرار في سياسته العدوانية وأطماعه الاحتلالية، مع أنه يعرف تمام المعرفة أن عودة سيطرة الدولة السورية على ما تبقّى من أراضيها المحتلة من قبل الإرهابيْن التكفيري والتركي كفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها، وأن العودة إلى اتفاقية أضنة هي في هذه الحالة أفضل الطرق لضمان أمن البلدين.
لكن حقيقة الأمر هي أن الهم الأساسي لأردوغان ليس هماً إنسانياً ولا أمنياً، بقدر ما هو مشروع احتلالي، لا تُخفى معالمه الخبيثة..
لقد بدد إنجاز الجيش السوري في ريفي إدلب وحماة أوهام الرئيس التركي، وجعله يسارع الى الاتصال بالروس، ومن المؤكّد أن أردوغان المذعور سيثير هذه المسألة في لقائه المرتقب مع الرئيس بوتين، وأغلب الظن أنه سيحمل في جعبته محاولة جديدة للمماطلة وكسب الوقت من خلال التشديد على ضرورة الالتزام باتفاقات أستانا وسوتشي، التي كان هو الممتنع الوحيد عن تنفيذها.. لكنه لن يجد آذاناً صاغية.
فنحن اليوم أمام واقع جديد فرضه الجيش السوري، ولا اتفاق جديداً إلّا بناءً على هذا الواقع، الذي يؤكّد أن هدف استعادة إدلب والقضاء على الإرهاب فيها هو هدف حتمي غير قابل للمساومة، وأن أردوغان لم يعد قادراً على عرقلة تنفيذه مهما حاول الاستمرار في اللعب على حبال المماطلة والتسويف، أو اللجوء إلى ورقة التهديد والوعيد.
محمد كنايسي