التآمر الأمريكي- التركي على سورية
ريا خوري
كانت تركيا وما زالت وعبر العديد من قياداتها ومكوّناتها تسعى بشكل سريّ لإعادة مجد السلطنة العثمانية عبر السيطرة الاقتصادية أو السياسية أو السيطرة العسكرية على الأرض العربية. هكذا وبعد ثماني سنوات من الحرب على سورية لا تزال تركيا هي الأخطر على الدولة السورية، لحجم تدخلها السافر في خدمة المهمّة القَذِرة التي تطمح إلى تحقيقها والذي يعادل حجم أطماعها وإجرامها في نهب خيرات سورية وسرقة أراضيها.
منذ اللحظات الأولى للعدوان التركي- الإرهابي المباشر على سيادة سورية ووحدتها، كانت نيّة النظام التركي هي إقامة ما يُسمّى “منطقة عازِلة” مدعومة بقرار أمريكي بهدف وضع حدود استعمارية جديدة.
ومنذ البداية قام نظام أردوغان بتهجير أهالي تلك المناطق عبر حرب إجرامية قامت بها عصابات إرهابية ومرتزقة، لكن المتتبع للأحداث يدرك أن بنية الدولة التركية تعيش حالة من الصراعات الداخلية الحادة، وأن أردوغان لا يزال مستمراً بتصدير أزماته وهزائمه الداخلية، ويحلم بإعادة توحيد الشارع التركي خلف قيادته والذي تنازعته أطراف داخلية عدة، عبر إثارة مشاعره القومية بمعارك تخوضها الدولة التركية والشعب التركي لأجل إعادة تعويم فكرة السلطنة والسلطان.
أما من جهة الولايات المتحدة الأميركية فقد استمرت بالتأرجح واللعب على الحبلين التركي من جهة والانفصالي من جهة ثانية، ومضت في استغلالهما إلى أبعد مدى، فقد رفضت الإدارة الأمريكية ما يُسمّى المنطقة الآمِنة على مدى ثماني سنوات، ورفضت سحب السلاح الأميركي الفردي والثقيل من أيدي الانفصاليين، وحافظت على النقيضين وصاعقيّ التفجير وبقيت الأوراق بيدها، فالأتراك يصرّون على أنّ المنطقة الآمنة تتعلق بأمنهم القومي، فيما يمضي الانفصاليون تحت المظلة الأميركية بتكرار مخاوفهم من عدوان تركي يجتاح المناطق التي يتواجدون فيها، وذلك من خلال علاقة تكافُلية تضامنية لم يعد هناك من إمكانية لإخفائها، ما يدفع إلى التساؤل التالي: هل هم حقاً على خلاف وعداء؟.
من الواضح تماماً أن مطالبة كلّ من الطرفين التركي والانفصالي بإنشاء المنطقة الآمِنة على طول الشريط الحدودي مع تركيا، ومن خلال مُقارنة ما يتحدّثان عنه يتّضح أنهما يتفقان على اغتصاب الأرض السورية بكل صفاقة لكنهما يختلفان حول السيطرة، فنظام أردوغان يريدها مناطق نفوذ تركي واسعة ولا يمانع بالإبقاء على مناطق ما يسمى الإدارة الذاتية ، فيما يريدها الانفصاليون منطقة آمِنة بقرارٍ دولي أو أميركي تمنحهم أحقيّة السيطرة عليها وإدارتها إدارة كاملة غير منقوصة.
من جهتها تتابع القيادة السياسية والأمنية والعسكرية في سورية بدقة مجريات الأحداث، وهي مطّلعة على حقيقة الاتفاق الأميركي– التركي لإقامة المنطقة الآمِنة، فبعد لقاءاتٍ مُكثَّفة سرّية وعلنية تمّ الإعلان عن الاتفاق التركي- الأميركي لإقامة المنطقة الآمِنة، وعلى إقامة مركز عمليات مُشترَك بينهما في مدينة (غازي عنتاب)، وقد يتوهَّم البعض بأن مُبرِّرات الرَفض الأميركي زالت نهائياً وزالت معها هواجِس ومخاوِف الأتراك والانفصاليين معاً، مع تحوّل الإعلام للحديث بكثافة عن طول وعُمق المنطقة وعن ترتيبات المجال الجوي ومناطق انتشار القوات وتركيبة الدوريات وعددها وآليات انسحاب القوى الإرهابية بحسب تصنيف كلّ منهما، وعن قوى الأمن والسيطرة الفعلية على الأرض وعلى كامل المساحة المتفق عليها.
في حين أن الولايات المتحدة الأميركية لم تفصح عن أيّ من تلك النقاط على أهميتها وخطورتها، وفضَّلت الحفاظ على منسوب السرية والغموض وتركت المجال مفتوحاً للتوقّعات والتكهّنات، وربما لانتظار ردود الأفعال وقَبْض الثمن من جميع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعِلة والمؤثّرة في المواجهة على الأرض، في حين تبقى عينها ساهرة ومراقبة على قَطْعِ طريق التقارُب التركي– الروسي.
وفي الوقت نفسه تراقب الولايات المتحدة الأمريكية الاندفاعة السورية–الروسية نحو تطبيق بنود اتفاق سوتشي بالقوّة العسكرية، وربما إلى أبعد من ذلك، فتحرير إدلب من أيدي الإرهابيين وداعميهم بات مُتاحاً ومُتوقّعاً في أية لحظة، وقد بدأت قوات الجيش العربي السوري التحرك بشكل عملي، الأمر الذي فاجأ نظام أردوغان الذي بات يقف مكتوف الأيدي تحت عباءة الدور الضامِن لدولة الاحتلال التركي ومشروعها المشبوه.