مستقبلنا بين ثقافة لمجرد وبابجي
كنت ومازلت ممن تستهويهم موسيقى وأغاني الفنان المغربي عبد الوهاب الدكالي صاحب أغنية “مرسول الحب” الشهيرة، رغم أنني لا أفهم معاني جلّ مفرداتها التي يؤديها باللهجة المغاربية المحكية، مع هذا كنت أعشق موسيقاه وألحانه التي تستخدم فيها آلات التخت الشرقي بإحساس عال، وأحفظ مقاطع منها أرددها كل حين، لاسيما أغنية “الربع الخالي، وكان يامكان، أنا والغربة، والعاشقين، وغيرها” التي كانت تبث كل حين عبر إذاعة مونت كارلو، أو الـ بي بي سي، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
بالأمس القريب بدأ حنيني لتلك الأغاني يعود من جديد بعد انفصال دام سنوات أخذتنا فيها هموم الحياة ووضع البلاد، فأخذت أبحث عبر الشابكة عن هذه الأغاني، وفي كل بحث أكتب اسم الفنان المغربي يظهر لي، قبل أي شي اسم سعد لمجرد، فأستغرب سرعة ظهور هذا الاسم على “اليوتيوب”، الأمر الذي أثار فضولي ودفعني لأسأل بناتي عنه، لأكتشف منهن أنه المغني الأكثر مشاهدة على وسائل التواصل الاجتماعي وأن أغنيته الأخيرة “انساي” مع الممثل المصري محمد رمضان حصلت على مئة مليون مشاهدة، أي مايقرب من ثلث سكان الوطن العربي، هذه المعلومات التي أُتحفت بها جعلتني أتوقف عند هذا المغني لدى ظهور “فيديو كليب” أغنيته تلك على الفضائيات العربية لعلي افهم شيئا مما يقول فيها هو أو الممثل الذي يستعرض عضلاته معه، أو حتى أتلمس بعض الإحساس في الموسيقا المرافقة دون جدوى، لكنني اكتشفت أن هذا المغني متهم بجرائم وجنح عدة ومن نزلاء السجون الفرنسية، فما عساه يقدم منحرف أضل البوصلة الفنية والأخلاقية لمئة مليون إنسان شغل اهتمامهم بسخافاته التي أخجل من مقارنتها بما قدمه مواطنه عبد الوهاب الدكالي للموسيقى العربية بلهجة شعبه، لكن بموسيقا أحبها كل العرب، الذي عدت أنصت إلى أغانيه بتماهي وشغف من يستمع للمرة الأولى، متحديا احتجاج بناتي اللواتي سخرن من فناني المحبوب وعقلي المتحجر، ليمور في ذهني مصطلح صراع الأجيال المحكومين به، ويستفزني الطريق الذين نسير عليه، والوجهة الميممين شطرها الموسومة بالتسطيح المبرمج للإحساس والفكر والحياة برمتها. فهل صيرورة الحياة تستدعي ذلك أم نحن العرب مستهدفين عن سابق تخطيط استراتيجي، مستغلين عجزنا عن توليد الحضارة وابتكار المعرفة، وسرعة استسلامنا للعبة هواتف محمولة مثل “بابجي” الشاغلة اهتمام أكثر شبابنا لدرجة أصبحت شركتي الاتصال المشغّلة للخلوي لدينا تقدم عروض باقات انترنت خاصة بتلك اللعبة لعلمها بأن عشرات الآلاف من الشباب يهدرون الأموال والساعات الطوال في اللعب بها، غير مكترثين بخطرها وأهدافها التي تحرض على العنف والقتل. ربما قلة قليلة من يدرك أن لا فرق يذكر في تأثير فيديو كليب أغنية مثل “انساي” لمغني الراب المغربي وبين لعبة بابجي، فكلتاهما تسهمان في شل قدرة الشباب على الإدراك والفهم الخلّاق للحياة، وتشويه إنسانيتهم الكامنة وملكاتهم القادرة على توليد الأفكار والمهارات الخلاقة، وهذا ما يسعى الأخر إلى كتمه والى الأبد للوصول إلى جيل عقيم.
آصف إبراهيم