هل يكون ترامب آخر حكام الامبراطورية؟
في إطار حربه التي يشنّها بشكل معلن على كل من روسيا والصين وإيران، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يجرّ هذه الدول مجتمعة إلى سباق تسلّح جديد يفرضه عليها، وذلك لإجبارها على توجيه نفقاتها باتجاه تطوير الأسلحة وخاصة الصاروخية منها، وذلك على عكس ما يعلنه عادة من ضرورة كبح القوة الصاروخية في هذه البلدان، والغاية طبعاً استنزافها اقتصادياً، وجعلها تبتعد عن الاهتمام بمشاريع التنمية وتطوير الاقتصاد.
ويخطئ فعلياً من يظنّ أن إيران مثلاً مستثناة من هذا الحكم، حيث تشير جميع المعطيات إلى أن التحشيد العسكري الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية في الخليج يهدف إلى الضغط على هذه الدول، ومنها إيران، لحماية ناقلات النفط التابعة لها عبر إرسال بوارجها لمرافقة هذه الناقلات، وهذا بحدّ ذاته يرتّب أعباء كبيرة عليها لا تقل عن نفقات نقل الطاقة.
ولكن الرئيس الأمريكي يدّعي أن انسحابه من المعاهدات العسكرية مع روسيا هدفه جرّ الصين إلى الدخول رسمياً في هذه المعاهدات، الأمر الذي لا يعدو كونه في الحقيقة تغطية على سعيه لإجبار الصين على رفع نفقاتها الدفاعية من خلال تهديده بين الفينة والأخرى بنشر صواريخ قصيرة المدى على حدودها، ذلك أنه يعلم أن الحرب التجارية الشعواء التي يشنّها عليها لن تفلح في إعطائه النتيجة المبتغاة، حيث إن حجم تجارة الصين عالمياً أكبر بكثير من حجم تجارة أمريكا، كما أن ميزان التبادل التجاري مع الصين يميل بقوة إليها، فضلاً عن أن الشركات الأمريكية تفضّل أن تستفيد من انخفاض تكاليف الإنتاج في الصين لتسويق سلعها في أمريكا والعالم.
فإذا كانت الدول الثلاث تعمل معاً على تحييد الدولار في تعاملاتها التجارية البينية، وتحاول أصلاً أن ترفع مستوى التبادلات التجارية فيما بينها إلى حدّ تستطيع معه التفلّت من سيطرة الدولار، فإن هذه الدول ستكون هدفاً لأيّ برنامج أمريكي يؤدّي إلى إلهائها بأمور أخرى بعيدة عن أمور التنمية الاقتصادية. ولكن هل يستطيع ترامب أن يمنع الشركات الأمريكية من الاعتماد على الصين، وهي التي تؤمّن لها أرباحاً لا تستطيع الحصول عليها انطلاقاً من أي بلد آخر؟ وهل يتحمّل الاقتصاد الأمريكي زلزالاً عنيفاً يمكن أن يحدثه ركود اقتصادي عالمي تقود إليه سياسات ترامب؟.
الحرب الباردة التي يحاول الرئيس الأمريكي أن يجرّ إليها هذه الدول، لاستنزافها والوصول بها إلى حالة مشابهة لحالة الاتحاد السوفييتي في نهاية القرن الماضي، ليست ممكنة الآن على الإطلاق، لأن الاقتصاد الأمريكي الحالي لا يحتمل أبداً مزيداً من الإنفاق على الجانب العسكري، كما أن أيّ اتفاق روسي صيني على مجاراة ترامب فيما يريد من سباق تسلح جديد، باستخدام مخرجات تجارة الصين رافعة للتجارب الصاروخية الروسية، يمكن أن يؤدّي إلى انهيار أمريكي مشابه لانهيار الاتحاد السوفييتي. فهل يكون ترامب آخر ملوك الامبراطورية الأمريكية، كما كان بوريس يلتسين آخر زعماء الاتحاد السوفييتي؟.
جميع المحللين الاقتصاديين يؤكدون أن السوق العالمية التي كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة حتى وقت قريب لن تتحمّل زلازل جديدة تحدث لها، وبالتالي فإن أيّ نشاط زلزالي جديد سيؤدّي إلى حركات تكتونية يكون الاقتصاد الأمريكي البناء الأكثر تضرّراً فيها!!.
طلال الزعبي