من يصنع قرار الإنتاج عندما يتعلق الأمر بتذوق المنتجات الغذائية..؟ مهنة الـ”جورمت” أو “تيستر” عالمياً.. هل من “ذواقة” في الشركات المحلية؟!
هل لدى شركتكم ذواقة، أي شخص يتذوق المنتجات الغذائية قبل تعبئتها وبيعها، يتولى هذا العمل بشكل مختص وحصري، ومن يتولى اتخاذ قرار الإنتاج، عندما يتعلق الأمر بتفضيلات العملاء والمستهلكين، وما هو الأثر الاقتصادي الناجم عن غياب مثل هذه الوظيفة في الشركات المحلية، وهل فكرتم ذات يوم في إحداثها..؟
أسئلة طرحتها “البعث” على غير شركة مختصة حصراً في الصناعات الغذائية، والأجوبة كانت- للأسف – سلبية تماماً، فلا وجود لمثل هذه الوظيفة في الشركات، بل إن أغلب القائمين عليها لم يسمع بمثل هذا التوصيف الوظيفي، وإن قرار الإنتاج على أساس نوعية وطعم ورائحة وخلطة المواد الغذائية، غالباً ما يحددها أحد المديرين التنفيذيين، كما هؤلاء لم يلمسوا علاقة محددة بين عمل الذواقة ونشاط التسويق وأرقام المبيعات المستهدفة والمحققة..!
لا وجود لهم..
بعد جهود كبيرة بذلناها للبحث عن أشخاص ذواقين في السوق المحلية، لم نوفق في هذا البحث، بالرغم من أننا قاربنا الأمر مع اتحاد حرفيي دمشق والاتحاد العام للحرفيين، وكلاهما يضم عديد الجمعيات الحرفية، التي تنشط في مجال الصناعات الغذائية، وذلك في موازاة نجاح وشهرة الكثير من الشركات المحلية، التي باتت منتجاتها معروفة ومطلوبة في الأسواق الإقليمية، وربما بعض العالمية.
حقي.. وحيد
ماجد حقي.. يقدم نفسه، كما يقدمه زملاؤه، بأنــــه الوحيد الذي عمل طويلاً في التذوق، وبما أنه عضو جمعية صناعة البوظة والحلويات، فكان من الطبيعي أن ينشط في تذوق مثل هذه المنتجات قبل غيرها؛ لذا فهو يميز المواد والمقادير الداخلة مثلاً في تركيب الحلويات، ونوع السمن المستخدم، وهل هو بلدي أم مهدرج، أم قوارير صناعية، مشيراً إلى أنه سبق وأن اقترح على وزارة التموين (التجارة الداخلية) منع استيراد مثل هذه القوارير، التي تعطي نكهة السمن البلدي تماماً، وتطلى بها الحلويات حال خروجها من الفرن، وفعلاً منعت استيرادها حتى اليوم.
كما يميز حقي، الذي لم يحد أو يضعف التدخين حليمات الذوق لديه، نوعية اللحم بمجرد تذوقه ليحدد أنه غنم، عجل، ماعز..، بل أبعد من ذلك أنه يحدد جنس الذبيحة، بعد جرمها، لمجرد معاينة هيكلها العظمي، كما أنه يمتلك خبر جيدة في كشف غش البهارات والمواد العطرية، مبدياً أسفه لعدم وجود ذواقين محليين، وداعياً إلى اختيار أشخاص من المهارات في التذوق، وإخضاعهم لدورات تدريب وتأهيل، بحيث تؤسس جمعية أو تنظيم حرفي في هذا العمل الإبداعي.
الزبائن هم الذواقون
يعد طلال قلعجي، صاحب ومدير شركة بن وشاي معروفة، أن الزبائن هم خير من يتذوق، لأنه من الطبيعي أن تزيد الشركة من إنتاج الأصناف ذات الطلب العالي، فيما تحد من إنتاج نظيرتها التي لا تلقى قبولاً ورواجاً لدى هؤلاء الزبائن، مع حرصه على وجود ذواقين حقيقيين في الشركات المحلية، ما يحسن سوية الإنتاج ويرفع الجودة، ولاسيما في ظل منافسة شديدة تشهدها بعض الأسواق، واستسهال بعض المنتجين لدخول هذه الأسواق.
معهد للبن في البرازيل
يذهب أسامة الزين صاحب ومدير شركة بن وعصائر بعيداً في تقدير أهمية الذواقة، وذلك بالنظر لكونه عنصراً مهماً وفاعلاً ليس في تحديد قرار الإنتاج نوعاً وكماً وحسب، بل أيضاً في تلبية الشركة لطلبات ورغبات الزبائن من منطلق أن وصول الشركة إلى هذا المستوى من النجاح، يعني أنها خلقت ولاء قوياً ودائماً مع الشريحة أو الشرائح المستهدفة تسويقياً، كما أن كل دولة وكل سوق يجب أن تركز في تشجيع وجود ذواقين تبعاً لإنتاجها، وهو ما فعلته البرازيل، التي تعد من أكبر منتجي البن حول العالم، حين أحدثت معهداً مختصاً بدراسة ما تسميه علوم البن؛ لأن هذا المنتج بالنسبة لها، يشبه النفط والمحاصيل الاستراتيجية الأخرى، داعياً إلى ضرورة وجود ذواقين محليين في الصناعات الغذائية، كونها قوية ومهمة جداً سواء للأسواق الداخلية والخارجية.
بالبركة..!
يؤكد معتز الخولي مستشار تسويق لشركة صناعات غذائية أن الشركات الغذائية المحلية لا تضع نصب أعينها تعيين شخص بوظيفة ذواقة، بالرغم من أهمية مثل هذه الوظيفة في الشركات حول العالم، ويكفي للتدليل على ذلك الرواتب الكبيرة، التي يتقاضاها هؤلاء، أما في السوق المحلية فإن مثل هذه الوظيفة تمارس بالبركة، ودون أية محددات منطقية أو علمية.
على الضفة الأخرى..
ينظر إلى مهنة الذواقة في الدول الغربية كإحدى المهن الراقية والإبداعية، ويعد مصطلح الذوّاقة (Gourmet) فرنسي الأصل، وحديث الظهور والتداول، ويشترك في موهبة التذوق الرجال والنساء، مع تفوق واضح لصالحهن، فيما يتفوق الرجال في الطهو، ويتفوق الأفارقة والآسيويون على الأوروبيين. وبحسب موقع «ويكيبيديا» العالمي فإن هناك ما يسمى (اتحاد الذواقين العالمي)، الذي تنتشر فروعه في أكثر من 40 دولة حول العالم. ويتقاضى الذواقون رواتب جيدة، حتى إن البعض يطلق على مهنتهم (مهنة الأحلام)، فثمة شخص يتذوق ألواح الشوكولاته بشكل يومي، ويجني دخلاً سنوياً يصل إلى 54 ألف دولار، فيما يتذوق آخر المثلجات والبوظة محققاً دخلاً سنوياً بحدود 60 ألفاً، وهناك أيضاً وظيفة الذواقة (الشمام)، عندما يتعلق الأمر بالعطور ومواد التجميل والصابون وغيرها.. كذلك هناك وظيفة قريبة، وهي ما يمكن أن نطلق عليه الذواقة (النوّيم)، إذ يختبر المسوقون جودة النوم على فرشات متعددة، ويتقاضى هذا الشخص النائم على ذلك أجراً سنوياً 8000 دولار.
تأمين على حليمات التذوق..!
أمنت شركة “تيتلي”، ثاني أكبر منتج للشاي حول العالم بعد شركة “يونيليفر”على حليمات التذوق الخاصة بأحد خبراء خلط الشاي بقيمة مليون جنيه استرليني (1.5 مليون دولار) لحماية فم المتذوق سيباستيان مايكلز – 32 عاماً- والذي تكمن موهبته في قدرته المميزة على التعرف على إنتاج 1500 مزرعة مختلفة ليقرر المشروب المفضل بينها على مستوى بريطاني. ويقود مايكلز فريقاً يضم 47 شخصاً، مهمته رشف وتذوق وبصق ما يقارب 40 ألف كوب من الشاي أسبوعياً، وذلك لاختيار أفضل الأنواع، وخلطها عن طريق فحص درجة اللون والحجم وكثافة الورقة، ثم تقييم نقاء لون المشروب، ووزن الشاي وتأثيره على الفم.
أحمد العمار