على تشابهها!! مهرجانات حمص.. نجاح مرهون بتوفر الأدوات والمستلزمات وفرص للتبادل والتواصل المتنوع
شهدت سورية عموماً، وحمص خصوصاً، في ظل حالة التعافي ودحر الإرهاب على سواعد بواسل جيشنا البطل، موجة من المهرجانات والندوات الفنية والثقافية المتنوعة، بعضها كان شديد التنظيم، وأدى الغرض المطلوب، والبعض الآخر شابه الارتجال، وانتفاء الجدوى، ومما لا شك فيه أن الفعاليات الاحتفالية الفنية والثقافية كالمهرجانات المتخصصة هي انعكاس للوجه الحضاري لبلدنا في كل مجالات حياتنا، لاسيما أننا على مشارف إعلان النصر الكلي في حربنا ضد الإرهاب، لنؤكد أننا رسل جمال وفرح تواكب روح النصر المتحققة، ترسّخ القيم الفنية والثقافية، ولاسيما استقطاب فنانين لهم مواقف متميزة من صراعنا ضد الإرهاب، وهي تضيء على نتاجات مبدعينا، لكن هذه العدوى شهدتها المدينة مؤخراً، خلال شهر تقريباً سبعة مهرجانات (لكل ضيعة مهرجان)، والسؤال الذي يطرح ذاته: أليس من الأجدى القيام بمهرجان كبير على مستوى المحافظة تحت عنوان موحد يشمل بقية الفعاليات المتشابهة، وليس من الضروري أن يكون بالتوقيت ذاته، بل يتم التنفيذ لعدة أسابيع بعدة مناطق، ما هي الانطباعات عن هذه المهرجانات؟ وما هي وجهتها؟وهل حققت أهدافها في الإشارة لمواقع السلبيات والإيجابيات في الحراك الفني والثقافي؟ وما هو دور مبدعينا في هذه المهرجانات؟ تساؤلات طرحناها لنعرف ما هو مؤشر مهرجانات كهذه في تحقيق غاياتها، وملامسة الجروح العميقة، أم أنها تقام لأغراض بروتوكولية، والترويج الإعلامي؟.
فرصة جيدة
ميسون أبو حبل، نحاتة سورية شاركت مؤخراً بملتقى النحت بالحواش، أشارت لأهمية الفن والثقافة في تطوير المجتمع، وفي محاربة الإرهاب، والمهرجان فرصة جيدة للتعريف بالمنتج، ولكن ضمن ترسيخ قيم حقيقية.
وأكد محمود الضاهر، فنان تشكيلي، أنه لا يمكن إقامة المهرجانات والفعاليات الوطنية إذا لم تتوفر مقومات النجاح وبيئتها الحقيقية، بهاجس الشغف في الأداء والإنجاز، وأي مهرجان ارتجالي غير مسبوق برؤية وبرنامج واقعيين، في أي من أنساق الثقافة الحية، سيؤتي نتائج سالبة مصحوبة بالفشل، وينقل المواطن من خانة التفاعل إلى خانة الانتقاد والاستياء، ولا يمكن التفاعل إيجاباً مع الأداءات الواهنة مهما بلغت درجة الحاجة إلى إقامة مواسم أو مهرجانات أو مناسبات عامة، مع أهميتها ودورها الفاعل في مواكبة تعافي البلد، وسعيها إلى عبور أزماتها الخانقة، وتحدياتها الكبرى.
مهمة وطنية
الشاعرة لمياء علي قالت: أية فعالية في ظرفنا تعد مهمة وطنية علينا دعمها والاهتمام بها بما ينسجم مع المقومات الوطنية والفنية، ولكن لابد من تدقيق ما يقدم في تلك المهرجانات، وأهدافها، ومعاييرها الفنية وجدواها بما يقترب من المعايير الفنية للمهرجانات؟.
ويرى منذر عبد الله، “مدرّس لغة عربية”، أن المهرجانات انعكاس واقعي للمؤسسات الثقافية والفنية، وهي مؤشر لنهضة البلاد، ورقي شعبها، بوسعها المساهمة في بناء وتنمية العقول واستدامة الوعي عبر رفد الحركة الثقافية والفنية، إلا أن المشهد المحلي، مثلما هو حاصل، لم يشهد فعاليات ثقافية وفنية بمقدورها التأثير بفاعلية في الوسط الاجتماعي بقصد التوعية من مخاطر الفكر الظلامي التكفيري.
أما د. مهند خوري فأشار لأهمية المهرجان كونه الوسيلة الأوسع انتشاراً في المحيط المحلي، والأكثر تأثيراً في تشكيل الرأي العام لأجل تحقيق الهدف الأساسي بإنتاج فعل ثقافي يتمسك بسلامة بناء وعي الإنسان، وإشاعة ثقافة الحب والتسامح والجمال.
شبه غائبة
عدد من الأهالي أشاروا لعدم جدوى المهرجانات، فهي تفتقر للنية الحقيقية والهدف والخدمات، فليس هناك نقل داخلي من وإلى الريف خصص للمهرجان، لو كان الهدف تنشيط السياحة، ولا مطاعم وكافيهات تم التعاقد معها لتقديم حسومات تنشيطية لرواد المهرجانات، والحفلات العامة كانت شبه غائبة بالتزامن مع الإعلانات الغزيرة لمطربي التعاقد من لبنان مع مطاعم المنطقة، والتي تجاوزت أرقام الدخول القياسية في بعضها المئة ألف، أرقام يعجز عنها ذوو الدخل المحدود، وهم من غالبية المواطنين.
للمغتربين دور
د. ريم شطيح أكدت أن للمهرجانات دوراً إيجابياً لو وظفت التوظيف الحسن الهادف الذي يكشف الحقائق عما يجري من إرهاب ضدنا، وحجم التضحيات الكبيرة التي قدمها السوريون، وعلينا إيصال صوتنا، وكشف الجرائم التي حصلت لشعبنا بكل الوسائل الإعلامية، والمهرجانات المسرحية والسينمائية والفنية للعالم كافة.
مناف محمد، سيناريست يعمل بحقل السينما، أشار لغياب العروض السينمائية عن المهرجانات، وضرورة إتاحة العروض للجميع، سينما الهواء الطلق التي تناسب الصيف، وتحقق حضوراً غير مشروط بالعدد، وكذلك على المسرح، لافتاً إلى أن أحد العروض بمهرجان القلعة والوادي لم يتجاوز الـ 15 طفلاً، وهو عرض مخصص للأطفال، متسائلاً عن عدم إشراك ذوي الاحتياجات الخاصة بالفعاليات لما في ذلك من إدماج في المجتمع؟.
مسؤولية كبيرة
بقي أن نقول: هناك مهرجانات أكدت أهميتها، وعلينا إخضاعها للمعايير المتبعة في المهرجانات العالمية لقيام مهرجان حقيقي في فترة حرجة، وتحتاج للكثير من تحمّل المسؤوليات الوطنية والاجتماعية، وباختصار لم تؤد المهرجانات الهدف من إقامتها، ونحتاج إدارة محكمة للمهرجانات، وعلاقات عامة، وفنون استقبال، وبرامج ترفيهية، وزيارات، وورشاً مشتركة، وتسويقاً إعلامياً ناجحاً، فمن المهم جداً أن تكون المهرجانات فرصة للتبادل المهني الفكري، وتبادل الخبرات، وأساساً لخلق مناخات جديدة للعمل، ولا شك أن الجو الرائج في سنواتنا الأخيرة يغري جهات عديدة بإقحام أنفسهم فيما لا يعنيهم من شؤون الإعلام، والثقافة، والفن، وأسرار إدارتها، لأن المسألة باختصار تحتاج إلى معرفة ذكية بأساليب العمل العام، وتصورات مسبقة لحجم النجاح المنشود، وإرادة مكتملة، سواء أكان على صعيد السينما، أم المسرح، أم معارض الكتاب، أم المهرجانات الفنية المختلفة، أم المؤتمرات العلمية والأدبية على تنوعها وثرائها، ومن يفكر بإنجاز محترم يريد له التفاعل فنياً، وثقافياً، وإعلامياً، عليه أن يجتهد في تحقيق الأدوات التي يتطلبها المشروع الناجح.
سمر محفوض