تحقيقاتصحيفة البعث

توحيده شكلاً وسعراً اللباس المدرسي.. أسعار كاوية وموديلات تخرج هدف “التوحيد” عن مساره !!

 

وإن حتى تقاربت الألوان، إلا أن اختلاف الأشكال يوحي بتباين كبير في ملابس تقول وزارة التربية إنها موحدة، هذا التباين الذي يندرج تحت مسمى الموديل أو التصميم، إضافة إلى تدرجات الألوان بين حدي الأزرق والكحلي والزهري، أعطى شركات تصميم وخياطة الملابس الضوء الأخضر في إبداع أشكال متنوعة وتصاميم متعددة، وجعل من هدف توحيد الملابس يبتعد عن مبتغاه، وهذا أيضاً جعل من عملية توحيد الأسعار أملاً صعباً، لنجد فروقات كبيرة في سعر لباس يفترض أن يكون موحداً في الشكل والسعر، إلا أن هذا اللباس يقول كثيرون إنه جسّد التفاوت الطبقي في المدارس، وأحرج أبناء الأسر الفقيرة.

جولة في الأسواق
طبعاً الزائر للأسواق يجد المشهد ذاته، تشكيلة واسعة ومتنوعة من الملابس المدرسية حرص أصحاب المحلات التجارية على إبرازها، والتركيز على ما تسمى القصة الجديدة لهذا العام التي لا شك أنها ستكون مبرراً لرفع سعر القطعة عدة آلاف إضافية، وأيضاً الأمر ينسحب على الحقيبة المدرسية، حيث تبدأ أسعارها بـ 2500 ليرة سورية، وتصل إلى 7500 في المناطق الشعبية، لتصل في بعض الأسواق إلى عشرة آلاف، و 18000 ليرة لبعض الحقائب، أما بالنسبة للملابس فتتراوح الأسعار بالنسبة للصدرية من 2000 إلى 3000 ليرة، والقماش ليس من النوع الجيد، أما بالنسبة لقميص المرحلة الإعدادية للذكور والإناث فيبدأ من 2500 ليصل إلى عشرة آلاف ليرة، والموديلات ليست ملائمة لطلاب المدارس، والبنطال يبدأ من 1500 إلى 3000 ليرة، أيضاً النوعية غير جيدة، بل أقرب للرديئة.
يرى فريد، وهو تاجر مفرق في قرية مفعلة، أن السعر مرهون بذمة التاجر، ويقول: أتنقل بين معامل دمشق باحثاً عن البضاعة الأجود، والسعر المناسب لأحصل على غايتي، وأبيع بالتقسيط، اللباس المدرسي مثل غيره من الألبسة، مع أن لهذا اللباس خصوصية، لكن التجار يتعاملون تماماً بمنطق الربح الأكبر، حيث يضيف التجار مبالغ إضافية على كل قطعة دون ناظم.
ويضيف: نحتاج لضبط آلية التعامل مع اللباس المدرسي، ولابد من وضع مواصفات محددة، فمن الطبيعي أن نجد بضاعة متوسطة وغالية، لكن المشكلة أن المجال مفتوح لكل تاجر أن يحدد السعر المناسب له، حيث تصل البضاعة من دمشق ممهورة باسم المعمل، وتسعيرة ملصقة قابلة للنزع، ويمكن تغييرها ببساطة، وما على تاجر السويداء إلا نزع هذه اللصاقة وكتابة السعر الذي يراه مناسباً ومحققاً لأرباحه، المشكلة في غياب الناظم حسب التاجر.

إحراج الأهالي
طبعاً الأسعار والموديلات وضعت الأهالي في إحراج أمام أبنائهم الذين يشترطون شكلاً معيناً للقميص أو البنطال، وحقيبة تنسجم مع الموديل نفسه، أما الأسعار فلا علاقة لهم بها، كما تقول شذى التي بحثت عن لباس لابنتيها لتجد أن المبلغ مبالغ به، والأسعار غير منطقية، وتمنت لو كانت لديها القدرة للذهاب إلى دمشق لتشتري لباس بناتها بأسعار أقل، وتضيف: في السويداء أسعار غالية جداً، وتختلف عن دمشق، القميص يبدأ من 3800 ويصل إلى 6000 وأكثر، في الوقت الذي يرتفع سعر البنطال إلى 6500 وما فوق، وقد يصل إلى 8000، فروق أسعار البضاعة ذاتها تربك الأهالي، مع العلم أنهم يفتقدون للحدود الدنيا التي تؤهلهم لشراء أية قطعة في ظل الغلاء، والواقع الاقتصادي المرهق.
الموظفة إيمان أكدت أن أسعار المستلزمات المدرسية من قرطاسية وملابس مرتفعة جداً، ولا تعلم إن كان بإمكانها تأمينها وفق أهواء أبنائها الثلاثة، فابنتها تحتاج قميصاً زهرياً وبنطالاً رمادياً كونها انتقلت من مرحلة التعليم الأساسي إلى مرحلة التعليم الثانوي، أي يجب دفع حوالي عشرة آلاف ليرة ثمن لباس مدرسي لها وحدها، فالقميص من النوعية الجيدة سعره /4500/، والبنطال /5500/ ليرة، علماً أنه يوجد أغلى منها بحوالي /3000/ ليرة لكل قطعة.
وتضيف: ابني أحمد في الصف السابع سيرتدي لباس العام السابق حتى نهاية الفصل الأول، ويمكن أن ينهي العام الدراسي ببدلته ذاتها إن وفقنا الله، وسأعوضه في مستلزمات القرطاسية التي زاد سعر الدفتر فيها من فئة /100/ ورقة حوالي خمسين ليرة ليصبح سعره /250/ ليرة، ويحتاج منه حوالي خمسة عشر دفتراً بنوعية جيدة تسمى “بلاستك” تكلفتها مجتمعة /3750/، كما يحتاج حقيبة من النوعية الجيدة والحجم الكبير لتستوعب كتبه ودفاتره، وسعرها /8000/ ليرة، وبالمجموع تكاليف تجهيزه للعام الدراسي 2019- 2020 مع تأمين الأقلام الناشفة والملونة وصلت لـ 15000.
توافقها الرأي رجاء، وهي أم لثلاثة طلاب، فتقول: إن تجهيز طالب في هذا الوقت مكلف جداً، ومرهق مادياً بالنسبة لنا، وخصوصاً مع تزامن العيد مع المونة، وافتتاح المدارس، لدي ثلاثة طلاب في مراحل مختلفة، وعليّ شراء ألبسة لهم بالرغم من ارتفاع الأسعار، فاللباس المدرسي لطالب في المرحلة الثانوية يصل إلى 12000 ليرة، وحقيبة مدرسية حوالي 4500 ليرة، أما الحذاء فلديه حذاء العيد، وإخوته بحاجة إلى “مريول” مدرسي يتراوح سعره في السوق بين 2000 إلى 3000 ليرة، والحقيبة المدرسية يصل سعرها إلى 3500 ليرة، ولم ينته الأمر، فهناك دفاتر، وأقلام، وغيرها من المستلزمات.

حلول جاهزة
لا شك أن حاجة الطالب لتجهيزات مدرسية كاملة جعلت الأهالي بين فكي كماشة: الأسعار والموديلات، وعدد الطلاب في الأسر الذين لا مفر من تأمين احتياجاتهم في وقت ضيق وحرج، وهو ما يسمى بشهر الميم، فإضافة إلى المدارس هناك المونة والمازوت، وكلها تحتاج إلى فاتورة باهظة، كما تقول أم تيسير، وهي أم لأربع بنات، وقد أنهت تحضيرات مونة المكدوس، والمخللات، والبرغل، والكشك بأقل التكاليف المالية، لكن عبء تحضير المستلزمات المدرسية لهذا العدد من الأبناء كسر ظهرها، فالأسعار مرتفعة، وارتفاع أسعار الدولار حجة الجميع، ولكنها لم تعجز عن الحلول البديلة، فالحلول جاهزة وفق ما أكدته أم تيسير، موضحة أنها استفادت من لباس السنة الماضية، ودفاتر بناتها القديمة لتأمين جزء من حاجات البنات الأصغر سناً، حيث تقوم بإفراغ الأوراق المكتوب عليها من دفاتر الفصل الثاني للعام الدراسي السابق، وتبقي لها الصفحات البيضاء، وهكذا حتى تصل إلى البنت الكبرى فتشتري لها ما تحتاجه من مستلزمات مدرسية من أزقة المدينة، وليس من شوارعها الرئيسية ذات الأسعار الكاوية، والضرائب المرتفعة، والإنارة الجاذبة، وعدد الموظفين الكثر، موفرة بذلك بعض التكاليف الزائدة، وإن كان هذا الإجراء سيضع أولادها في خانة الحرج أمام زملائهم، ولكن لا مفر منه أمام ضرورة التقيد باللباس المدرسي.

تدخل إيجابي
تحت مسمى التدخل الإيجابي أعلنت السورية للتجارة افتتاح معارض للمستلزمات المدرسية، والهدف بيع تلك المستلزمات بسعر أقل من الأسواق بنسب تصل إلى 20%، ولكن في مقارنة بسيطة نجد أن الأسعار ذاتها إذا ما أخذنا جودة اللباس مقياساً لتحديد الأسعار، فبعض الأسواق الشعبية توجد فيها مستلزمات أقل سعراً من أسعار المؤسسة، ومع ذلك لا يمكن إغفال الدور الذي تقوم به المؤسسة في تأمين المستلزمات المدرسية بسعر مقبول لا يزيد عن عشرة آلاف ليرة، وفق تصريح مدير السورية للتجارة أحمد نجم الذي بيّن أن الأسعار في المعارض تقل عن السوق بنسبة 20 إلى 25%، وتحدث نجم عن أسعار بعض المستلزمات الذي يختلف حسب القياس، وتبدأ أسعار البدلات المدرسية للفئة الأساسية “الصداري” من 1700 ل.س، والحقائب المدرسية من 2000 ل.س وحتى 8000 ل.س، والقمصان من 2500 ل. س حتى 3000 ل.س، والسراويل من 3000 حتى 6000 ل.س، والجاكيت بحدود 6000 ل.س، منوّهاً إلى أن النوعية جيدة ومناسبة لجميع الفئات.
استناداً إلى هذه الأسعار، تبلغ تكلفة اللباس المدرسي لأسرة سورية لديها ثلاثة أطفال 30 ألف ل.س، بحساب صدرية مدرسية بسعر وسطي 3000 ل.س، وثلاث حقائب بسعر وسطي للحقيبة الواحدة 4000 ل.س، ولقميصين، بسعر وسطي 3000 ل.س للقميص الواحد، وسروالين بسعر وسطي 4500 إلى 9000 ل.س للسروال الواحد، مشيراً إلى أن النسبة العظمى من المواد المعروضة في هذه المعارض هي من الإنتاج المحلي، سواء كانت دفاتر من إنتاج المؤسسة السورية للتجارة، أو باقي السلع المنتجة محلياً من قبل القطاع الخاص.
ولفت نجم إلى أن توقيت افتتاح معارض القرطاسية واللوازم المدرسية يعتبر جيداً قبل بداية افتتاح المدارس بحوالي الأسبوع، حيث تقبل العائلات على شراء اللوازم المدرسية لأبنائها، وسوف تستمر هذه المعارض لحوالي الشهر بعد افتتاح المدارس لتوفير الوقت لجميع الأسر لزيارة هذه المعارض والتسوق منها، بالإضافة إلى تقديم قروض لشراء القرطاسية واللوازم المدرسية بقيمة خمسين ألف ليرة سورية للعاملين في القطاع العام.

توحيد اللباس
إذاً لابد من إخراج اللباس المدرسي من دائرة الربح والخسارة، ولابد من ناظم يضع الهدف التنموي التعليمي، وهذا ينطلق أولاً من توحيد اللباس شكلاً وسعراً عبر تحديد شكل واحد وثابت للتصاميم، وكذلك اللون، وإلزام الشركات المصنعة بها وبالسعر بأن يكون موحداً، ومدروساً، ولا يخضع لمزاجية هذا التاجر أو ذاك المصنع، وفي طرح قد يكون أكثر تفاؤلاً: لماذا لا يوزع اللباس المدرسي مجاناً على الطلاب، أو على الأقل بسعر رمزي، والبحث عن منافذ لتمويل المشروع من خلال غرف التجارة، والصناعة، والجمعيات الأهلية، وغيرها من الفعاليات التي يمكن توحيد جهودها في هذا الإطار.
رفعت الديك