الانتخابات الحزبية في وقتها المناســـب
جرت العادة في البلدان التي تخوض الحروب أن تعلّق فيها الانتخابات أو أن تؤجّل مواعيدها بأحسن الأحوال، إلا أن هذا الأمر لم يحصل في سورية، فقد حافظت على الاستحقاقات الانتخابية في وقتها، الأمر الذي ضمن سير عمل المؤسسات الدستورية بشكل منتظم، وهو بالتأكيد ما ساعد على تماسك سورية ومؤسسة الجيش التي قامت بدورها بتأمين المزيد من المناطق على امتداد الجغرافيا السورية، وأتاحت بذلك المجال لاستمرار العملية الديموقراطية.
خلال الحرب التي خاضتها البلاد منذ العام 2011 أقيم في سورية أكثر من انتخابات بدءاً، من انتخابات مجلس الشعب عام 2012، والانتخابات الرئاسية عام 2014، مروراً بانتخابات مجلس الشعب عام 2016، وانتخابات الإدارة المحلية عام 2019، والتي تأخرت بسبب الظروف القاهرة ضمن الحدود القانونية، إلى أن استؤنفت بعد انتصارات الجيش العربي السوري الباسل.
أما الانتخابات في حزب البعث العربي الاشتراكي، فكانت في وقتها المناسب، بعد أن أخذت وقتاً أطول حتى عادت إلى سياقها الطبيعي، بالاعتماد على المرونة التي يتمتع بها الحزب، وقدرته على التكيف مع الأحوال والأحداث، فكان البعث منطقياً في الطرح الانتخابي، كونه حزباً جماهيرياً يمثّل طبقات مجتمعية واسعة، فهو حاضر في كل شارع وحي وقرية وبلدة ومدينة ومحافظة، ونتيجة لما ساد فترة الحرب من فقدان السيطرة على مساحات كبيرة، وعدم القدرة على التواصل التنظيمي مع الكوادر في كل مكان كانت الانتخابات خياراً مؤجلاً لحين استعادة العافية، وهنا لا بد من قياس مدى نجاح الحزب في عقد مؤتمرات انتخابية في المناطق التي كانت خارج سيطرة الدولة السورية.
إن مشهد الانتخابات في بعض المناطق، التي كانت من أشد المناطق خطورة وأكثرها اشتعالاً، باتت اليوم، وعن علم ومتابعة، من أكثر المناطق تنافسية وإقبالاً في الانتخابات، ما يعطي مؤشراً هاماً على عدة أمور، أولها هو أن هذا الحزب مطلوب من قبل الشعب ولكوادره ثقة كبيرة به، وأن ما منعهم من نشاطهم كان عارضاً سرعان من نفضوا آثاره حين استعادت مناطقهم عافيتها، والثاني يدل على صواب اختيار التوقيت في مرحلة إعادة الإعمار، والتهيئة لمرحلة جديدة من تاريخ سورية، كما تدل الوقائع على تعطش الشعب والكوادر الحزبية إلى ممارسة الديمقراطية، واستعادة الدور الذي يجب أن يكون.
اليوم نشهد أجواء الانتخابات في الفرق الحزبية، انتخابات القواعد، وهي من أهم الخطوات العملية في مرحلة سياسية حساسة ودقيقة قادمة، بعد أن أثبت البعث قدرته على الاستمرار والحشد الشعبي الحقيقي، وفي قراءة لشروط الترشيح المعممة من القيادة المركزية للحزب يبدو الاهتمام بالمسألة التنظيمية، فتثبيت العضوية قبل بداية العام 2016 شرط أساسي، يضاف له شرط وجود رفيقين على الأقل ممن هم في سن 25 سنة وما دون، في إشارة واضحة لدور الشباب، والإصرار على تعزيز وجود المرأة، واتباع دورات الإعداد الفرعية والمركزية، تلك الشروط التي تعكس الاهتمام بوصول قاعدة قيادية متينة متنوعة يمارس العنصر الشاب فيها دوراً أساسياً، وتعزيز حضور المرأة في العمل القيادي، والإيمان بضرورة شد ازر القيادات القاعدية (الفرق الحزبية) بالرفاق القادرين على قيادة المرحلة السياسية القادمة التي تحمل تحديات كبيرة سياسياً واجتماعياً وفكرياً، الأمر اللازم لتثبيت الانتصار العسكري والدبلوماسي عبر قاعدة قيادية متينة في الجهاز الحزبي.
من جانب آخر يجب الاهتمام بإيصال الرفاق البعثيين القادرين على خوض المعارك السياسية والاجتماعية القادمة بإيمان والتزام وعزيمة، رفاق ممتلئين فكرياً، ذوي حضور اجتماعي، مقبولين من الناس، وهو ما سينعكس بالانتخابات، ما سيعزز محورية البعث وحضوره السياسي الوازن في الساحة السياسية التعددية السورية القادمة.
بلال ديب