لا أقوى على حزنك!!
سلوى عباس
كتبت له: حين أشتاق لأكون أنا.. أبحث عنك، أنظر إليك، أملأ عيني منك.. أجدني فيك.. فأتدفق كالأنهار وأضيء بك عتمة الأكوان.. حين أشتاق لأكون أنا، أناديك لأستقبل صباحاتي معك.. ألتصق بك.. أتغلغل فيك لأقول لك كم يسعدني أن أكون لك.. وإذا ما ارتجف صوتك مرة تغزوني نبرته وتنشر في ابتسامتي حزناً ويتبدى العالم رمادياً واجماً وتفقد الأشجار خضرتها والهواء لا يعود هواء.. تستوي الألوان كلها لدي وتطبق السماء عن بهجتها، فلا يلوح في المدى أي طائر ولا تحف في مسمعي أوراق الياسمين.. لا أدري أي حزن يتلبسني متسارعاً تاركاً لنبات الأسى أن ينمو على وجداني متسعاً كل أفراحي بك وحبوري.. ويتدفق ماء القلق في روحي، فأنا لا أقوى على سماع حزنك ولا أقوى على أن لا أضم إلى صدري شهيقك المتعب وكل أحزانك..
<<<<<<<
كل صباح يوقظني طيفك كشمس.. يوقظ في قلبي النشيد الرهيف للغيوم، يعيد صياغة روحي في ينابيع الحلم التي تفيض وهي تشع بضوء ينادي الصباح، وفي صباح مطر هادئ ملوّن بالحنين غنيني أنشودة حب لأتمازج بألوان طيفك وأنبت في سهوب قلبك أقحوانة برية عطشى لربيعك يوقظ فيها الحياة.. فرغم كل شيء لازلت منتشراً في خلاياي كما الماء.. مضاء في روحي.. كلما فكرت أني غادرتك أجدني أسير إليك.. صورتك ممدودة على الأفق.. والتماع عينيك يمهد لي الطريق..
<<<<<<<
في هذا الزمن المشحون بالكآبة والحزن والذي يجرجرنا في خيباته وتداعياته نرى أنفسنا على مفترق الحياة، تقتلنا الفوضى التي تضج في أرواحنا، ويستيقظ نهارنا باكراً لنبدأ سباقنا اليومي الذي نرسمه حلماً نعبر به مسار الزمن.. نسابق الثواني لنلحق بلحظة تُقرّبنا منه دون اعتبار منّا لما قد يعترضنا من مفاجآت وعقبات تؤخّر بلوغنا إياه، وفجأة تتداخل اللحظات المتواترة بين عجزنا عن اللحاق بالدقائق التي تتسرب من عمرنا وبين التواءات الطرق ووعورة المسالك، وتتوافد أسباب ومنغّصات كثيرة لتغلق علينا خطواتنا وتسدل على اتجاهاتنا آلاف السدود، وكأننا أسرى امتحان متاهات لا ندري كيف سنخرج منها، وكل ما نقدر عليه هو أن نتابع ركضنا لنصل قبل انقضاء الزمن المقرر، ذلك الزمن المرهون بدقات الثواني التي تقرع أجراسها في آذاننا، فنبقى مرصودين لعذابات الوقت الذي ينسرب سريعاً، ويترك في أيدينا حرارة الرمل ويرسم وجهنا بالغبار..
<<<<<<<
الحياة لغز مغلق على أسراره، والانتظار حالة يعيشها كل إنسان بطريقته والغاية التي ينشدها من انتظاره في مكان مستباح وفاقد للخصوصية لا يمكن فيه أن يكون الانتظار إلا حالة هروب من واقع مهزوم وأرواح موجوعة تنشد الأمل بتحقق أحلامها.. فكم نحتاج من الاحباطات لندرك القليل عن بديهيات الحياة.. لنعرف أن العمل والحياة الشخصية منفصلان، وأننا نقرأ على الورق كم ينبغي أن نخوض من التجارب حتى لو وصلت بنا إلى حافة الموت، وحينها فقط ندرك أننا لم نزل أحياء، وفي لحظة من تعب اللهاث نركن إلى أرواحنا نتلمس وهن قلوبنا التي أضناها الركض، ثم نقضي وقتاً طويلاً من الخيبة قبل أن نلتقط نفسنا الأول في نهاية يومنا، فنلوذ إلى هدأة ليلنا نرسم آفاق يوم جديد، نرتّب فيه جدول احتياجاتنا، عسى أن نوفق في تأمينها وهكذا دواليك تمر أيامنا لنقف على عتبة العمر منهكين، ومع ذلك نعود ونبدأ من جديد لعل حلماً آخر يرتسم في أفق آخر كان غائباً عنا.
هي الحياة قطار يسافر الناس فيه وكل ينزل في محطة عساه يلقى أحلامه الهاربة من ذاته ويستبشر بأمل تحققها، فهل لانتظارنا من حلم عسانا نحققه.