مع بدء عروض مسرحيته “كيميا” د.عجــــاج سليـــــم: تخيّلـــــوا العالـــــم دون حـــــب
بعد أن نالت منا الحرب ما نالت من عواطفنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، وبعد أن غمستنا في تفاصيل الحياة اليومية كان لا بد للمخرج المسرحي د.عجاج سليم وعبر مسرحية “كيميا” المقتبسة عن مسرحية “مجالات مغناطيسية” للكاتب الروسي ألكسندر اوبرازتسوفي والتي بدأت عروضها اليوم في دار الأسد للثقافة والفنون أن ينبش فيما نسيناه وأهملناه ليتحدث عن الانجذاب العاطفي ومفهوم الحب ومدى حاجتنا إليه، خاصة في وقتنا الحالي.
ما يحدث الآن وهنا
بعد بحثه الطويل وحيرته فيما سيُقدمْه على خشبة المسرح واقتناعه بأن عرضاً كلاسيكياً لشكسبير مثلاً لن يوصل ما يريده، وغير الكوميديا السوداء لا تُناسِب وضعنا الحالي اختار د.سليم نص “مجالات المغناطيسية” لأن المسرح هو فن ما يحدث الآن وهنا، لذلك أغراه هذا النص لأنه يتناول مفهوماً كونياً نسيناه في زحمة المتطلبات اليومية وهو الحب بمفهومه الواسع الذي يشمل كل فعل إنساني إيجابي، مبيناً أن من يمتلك مشاعر الحب لا يمكن أن يحيد عن الأفعال الجميلة، ووحده من يبتعد عن أحوال الحب أو يفقده أو ينساه تنمو عنده مشاعر أُخرى هي مشاعر الكره والأنانية، لذلك كان من الضروري اليوم برأيه أن نعود لذواتنا وذكرياتنا الجميلة لنحكي عن الحب بمفهومه الواسع.
فكرة غريبة
ويؤكد المخرج سليم أن الجمهور سيرى فكرة غريبة في مسرحية “كيميا” حيث سيقع رجل وامرأة في مجال مغناطيسي، وكل واحد منهما له تاريخه وبيئته وظروفه وتكوينه، فينشدّان لبعضهما ويعيشان لحظات حب، وتدريجياً تتحرر إرادتهما ويصبحان أصحاب قرار باتجاه أكثر قيمة، وهذا برأي سليم يمكن إسقاطه على حياتنا، فنحن كَوَّنّا ذكرياتنا وحياتنا وواقعين ضمن هذا المجال المغناطيسي من الحب، وحتى من غادر هذا البلد يظل منشدّاً له بأبسط الذكريات.
تخيّلوا العالم دون حب
ومع أن د.سليم اختار نصاً روسياً قام هو بإعداده يؤمن بعدم وجود أزمة نص محلي وإن وقع اختياره على نص روسي فهذا لأنه وَجَدَ فيه ضالّته ولأنه عزف على وتر يريده ويرغب أن يسلط الضوء عليه بدعوته للحب : “تخيّلوا العالم دون حب” مشيراً إلى أن نص المسرحية من النصوص الروسية الحديثة القريبة من مسرح العبث الذي كان نتيجة من نتائج الحرب وقد نشأ لإحساس الإنسان بانعدام الحياة واللاجدوى بعد فقدان الحلم وعدم التفكير بالمستقبل، موضحاً أن العبث ينتج عنه الانكفاء للداخل وعلى النفس، ويصنع جزراً من الوحدة.. من هنا أخضع د.سليم النص للإعداد لقسوة النهايات فيه ومزج ما بين المرحلة التعبيرية في الشكل والإخراج وما بين العبث الموجود في حياتنا، مؤكداً أن طموحه في هذا العرض هو تقديم شكل متطور عما سبق وقَدَّمَه من أعمال، لذلك كان حريصاً على أن يواكب في هذا العرض على الصعيد الفني ما يحدث من تطورات تقنية في هذا المجال، فذهب باتجاه المسرح الحديث الذي يعتمد على استخدام كل التقنيات “فيديو-غرافيك” دون أن ينكر أن استخدامها بشكل خاطئ ومجاني قد يشتت الجمهور ويكون على حساب عمل الممثل ومقولة العرض.
الممثل أولاً
ومن أولويات د.عجاج سليم كمخرج في هذا العرض تقديم شكل ينسجم مع أداء وتقنيات الممثل والتركيز على جسده وحركته والاشتغال بشكل دقيق على إحساسه من أول لحظة لآخر لحظة لتحقيق التواصل البصري والروحي معه، مؤكداً أن مسرحنا يعتمد على الممثل بالدرجة الأولى وكل العناصر يجب أن تكون في خدمته، وأن النص عنصر أساسي يخلص له دون تماهٍ، منوهاً إلى الإمكانيات والطاقات المسرحية الموجودة في سورية، ويعتز بأنه عمِل مع ممثلين أصبحوا اليوم نجوماً في عالمنا، والسبب أنه لا ينسى أن شغله الأساسي هو على الممثل ليكون في مكانه وشكله الصحيح وَلَو كان ذلك على حساب الأسلوب الإخراجي، معبراً عن رضاه على النتيجة التي وصل إليها مع الممثلين في مسرحية “كيميا”.
مسرح الحرب
قِّدمَت عروض عديدة خلال فترة الحرب وكانت مباشرة، ويرى سليم أن أصحابها وبنواياهم الطيبة حاولوا أن يؤكدوا على التلاحم والترابط الوطني، وهو ليس مع هذا الشكل من الطرح لأن المسرح يجب ألا يتحول إلى جريدة، مؤكداً على احترامه لكل الجهود المخلصة والنبيلة التي أنتجت هذه الأعمال، ولا يخفي أن بعض الأعمال أساء فيها أصحابها لأنفسهم وللبلد لأنهم تناولوا الحرب بشعارات وطنية، وكان الهدف منها تجارياً، وهي مجرد بيانات خطابية تلعب على المشاعر والعواطف، ويأسف عجاج سليم لأن البعض ما زال يعزف على وتر الحرب بهذا الشكل وذلك لقصورهم في الفهم وإصرارهم على استغلالها بهذه الطريقة، وهذه الأعمال برأيه لن تبقى في الذاكرة، والمطلوب اليوم أن نبتعد عنها باتجاه مواضيع أخرى كالحب والقيم الإنسانية النبيلة والأفكار المثلى لإعادة غرسها في نفوسنا بعد أن حَلَّ مَحَّلَّها لدى البعض عواطف الكره والبغضاء والحقد والتي أنتجت ما أنتجته من كوارث وذلك كله عبر المسرح الذي هو أهم وسيلة تواصل مع الناس، مشيراً إلى أن الحرب علّمته أن يخلص أكثر للمسرح لأنه المكان الوحيد الذي يجمعنا كلنا، متمنياً أن نصل إلى مرحلة يكون فيها المسرح ضرورة اجتماعية، مع تأكيده وهو الذي لا يؤمن بوجود أزمة نص مسرحي محلي وترديد ذلك برأيه ناتج عن قلة اطّلاع على ما يُكتَب في مجال المسرح أنه متفائل بأن الواقع سيُنْتِج كتّاباً ونصوصاً مسرحية ذات أهمية تحكي عن الحرب بطريقة فنية عالية وتاريخ المسرح المعاصر في سورية يؤكد أن الأزمات العديدة التي مررنا بها أنتَجَت كُتّاباً وأعمالاً مهمة.
يبيِّن د.سليم وهو الذي غاب عن الخشبة منذ العام 2014 والتي كانت مسرحية “هوب هوب” آخر ما أخرجه على الخشبة أنه من خلال تلك السنوات لم يكن بعيداً عن المسرح وقد أمضاها في القراءة والتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية والسفر خارج القطر للمشاركة في بعض مهرجانات المسرح كعضو في لجان التحكيم وترجمة بعض النصوص المسرحية الروسية الموجهّة للأطفال والتي سيتم نشرها قريباً ضمن سلسلة المسرح العالمي الكويتية نهاية العام الجاري.
“كيميا” من تمثيل: زامل الزامل-علا السعيد- طارق نخلة- نجاح مختار-مأمون الفرخ-وليد الدبس-سلوى حنا-سليمان قطان-فادي الحموي.. تعرض من 30 آب لغاية 1 أيلول في دار الأوبرا الساعة 7 وعلى مسرح الحمراء اعتباراً من 5 أيلول لغاية 15 منه الساعة 7 وهي من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا.
أمينة عباس