احتفالات وجولات وأجواء استعراضية.. ولكن ماذا بعد!؟ النجاح الحقيقي لمعرض دمشق يقاس بالصفقات.. وعقود التصدير واستكشاف الفرص في الاتجاهين
الأجواء المحيطة في معرض دمشق الدولي -كما الأضواء- تملأ المكان، ومثلها الاستقبالات والجولات والزيارات.. كلها أشياء تبدو جميلة في ظاهرها، وتعكس حجم القبول والتعاطي مع واحد من أعرق وأقوى المعارض في المنطقة، ولكنه من الخطأ الاعتماد على ذلك كله لتقييم نجاح المعرض من عدمه؛ لأن النجاح الحقيقي، إنما يقاس بالصفقات وعقود التصدير واستكشاف الفرص الاستثمارية في الاتجاهين، بمعنى لا ينبغي أن توجه الأسئلة على طريقة: كيف وبمن احتفلنا، ولا طريقة العروض وفنونها، بل ما الذي بعناها أو اشتريناها، فالمعرض حدث اقتصادي أولاً وعاشراً، ومن ثم تأتي الأهداف الأخرى على نحو أقل أهمية وترتيباً.
عوائد المشاركات
ثمة مشاركات كبيرة ونوعية لدورة المعرض الجارية، فهناك مثلاً مشاركة كبيرة من الإمارات العربية المتحدة، تمثلت بوفد ضم 24 رجل أعمال يمثلون القطاعات الاقتصادية المختلفة، ووفد عماني ضم أيضاً 30 رجل أعمال و13 شركة، ومثلها مشاركات كبرى ونوعية من إيران والجزائر وروسيا وفنزويلا والأرجنتين وغيرها الكثير، حتى إن إجمالي المساحات المحجوزة وصل إلى 100 ألف متر مربع، ولأول مرة في تاريخ هذا المعرض العتيد، لكن ماذا عن عوائد هذه الفعاليات الكبيرة، وكيف لنا أن نوظفها استثمارياً، وهنا مربط الفرس..
لدينا رغبة كبيرة في عقد شراكات تقوم على المنفعة المتبادلة في تأمين السلع، والاستفادة من البنى التحتية في الإمارات لدفع المنتج السوري نحو مستوى جديد من الإنتاج والتصدير، ولاستكشاف فرص استثمارية جديدة.. يقول رئيس غرفة تجارة وصناعة الشارقة، نائب رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة في الإمارات، عبد الله سلطان العويس، الذي يؤكد حضور الوفد لتأسيس علاقات وشراكات جديدة مع نظرائهم السوريين. والشيء ذاته يؤكده رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان قيس بن محمد اليوسف عبر مشاركة القطاعات الاقتصادية العمانية، ومنها القطاع الصناعي والطاقة والنفط والغاز والثروة السمكية والأمن الغذائي والتدريب والاستشارات والصحة والإنشاءات.
في موازاة كل من هذه القطاعات.. هل هناك رجال أعمال محليون يقيمون الفرص الممكنة والكامنة في أي منها، مثلاً القطاع السمكي لدينا متواضع جداً، فيما هو قطاع مهم في بنية الاقتصاد العماني، كيف لنا أن نستفيد في هذا المجال منهم، على الأقل لتعبئة منتجات الأسماك لصالح شركات محلية بدلاً من استمرار استيرادها من أسواق بعيدة؛ ما يقود لتوسيع وتوطين مثل هذه الصناعة، والأمر نفسه بالنسبة لبقية القطاعات..
الفنادق ملأى، ماذا يعني ذلك..
استبق مدير سياحة دمشق طارق كريشاتي افتتاح المعرض بأسبوع ليعلن عن وصول نسبة الإشغالات في فنادق دمشق إلى 100%، مبيناً أن معظم النزلاء هم من المشاركين فيه، ومن جنسيات وبلدان عربية وأجنبية متعددة، مثل البرازيل والأرجنتين وكوبا والهند والتشيك وإيران وروسيا وسلطة عمان ولبنان والإمارات والعراق، هذا مؤشر مهم جداً، ولكن ما الذي علينا أن نستفيد منه، وما الفرصة / الفرص الاستثمارية الكامنة هنا..؟
بالطبع، يؤشر هذا الوضع إلى إمكانات واعدة للقطاع الفندقي، سواء لجهة إنشاء فنادق من سويات مختلفة، أم نُزل وشقق مفروشة وغيرها.. ولطالما حضر وفد كالوفد الإماراتي، وأبدى استعداده للاستثمار في مثل هذا القطاع، فإنه مطلوب منا، والحالة هذه، وضع الحصان أمام العربة، ولاسيما بالنظر لما يملك الإماراتيون من خبرة كبيرة ومميزة في إنشاء وإدارة الفنادق، ومن وفرة الرساميل اللازمة لمثل هذه الاستثمارات.
عين على إعادة الإعمار
إعادة الإعمار –برأينا- تبقى أهم الأهداف، التي يمكن أن نقيس بها نحاج المعرض، ولأنها محرك رئيس للقطاعات الأخرى، ومع إبداء الوفود المشاركة للمساهمة في هذه المرحلة، فإنه يجب علينا إرشاد هؤلاء إلى الفرص الاستثمارية المتعلقة بالبنى التحتية والإسكان والمرافق والصناعات ذات الصلة، ولاسيما لمستثمرين كالصينيين والإيرانيين والإماراتيين، الذين لديهم تجارب وخبرات كبيرة في قطاع التشييد، أما الدول المشاركة الأخرى، والتي لا تستطيع المساهمة المباشرة في هذا القطاع، فإنها قد تملك خبرات كبيرة في الصناعات الرديفة لهذا القطاع، كصناعات التعدين والبيتروكيماويات والمواد الأولية والصناعية مثل الكبلات والمحولات الكهربائية والرخام والفايبر والسيراميك وغيرها من الصناعات.
الحافلة تقلع..
لا يكفي جذب الاستثمارات كماً ونوعاً، إن لم يكن هذا الجذب مرتبطاً في إطاري الزمان والمكان؛ لذا من المهم جداً أن نشرح للوفود ورجال الأعمال المشاركين، أن عربة الاستثمار في البلاد توشك أن تقلع، وحان وقت اللحاق بها، وهو ما قاله رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس: (يكسب من يأتي مبكراً، أما المتأخرون فقد لا يحالفهم الحظ)، داعياً إلى الاستثمار في القطاعات التي تحتاج سورية فيها إلى استثمارات، ولاسيما في مجال الصناعات الاستراتيجية، مثل الاسمنت والحديد والجبسيم بورد، معلناً عن قرب فتح طريق العراق، الذي يعد شرياناً حيوياً وتصديرياً للبلاد.
عن صناعة المعارض نفسها..
يرى مراقبون أنه لا بد من سد الثغرات وتعظيم الفوائد والقياس على التجارب السابقة، كذلك التخطيط لإنجاح صناعة المعارض وعدم حصر التفكير في عشرة أيام فقط، فهذه الصناعة بدأت في سورية منذ 1954 مع إقامة أول دورة لمعرض دمشق، فيما بدأت المعارض التخصصية عام 2000، بالتزامن مع إحداث المؤسسة العامة للمعارض، وقد وصلت سورية، قبل الأزمة، إلى المرتبة الثانية عربياً في هذه الصناعة بعد دبي، ووصل عدد المعارض إلى 120 معرضاً، ثم عاد ليتراجع عددها في 2012 إلى 30 معرضاً، وليتوقف كلياً في 2013، ثم عاد النشاط في 2014، عبر 14 معرضاً، ونشطت حركة المعارض منذ 2015 عن طريق بازارات البيع المباشر.
ولوحظ في الآونة الأخيرة تزايد عدد الفعاليات والأحداث الاقتصادية في البلاد على نحو مطرد؛ ما يسهم في تهيئة أجواء عمل جديدة عبر حشد المستثمرين في مكان واحد، وبالتالي إمكانية التبادل التجاري، وتوافر المعلومات عن الفرص الاستثمارية المتاحة، وتعزيز القيم التنافسية، ورفع مؤشرات الجودة وغيرها من القضايا التي تدعم بيئة الاستثمار.
وأوضح عضو غرفة صناعة دمشق ورئيس القطاع الغذائي طلال قلعة جي أن المعارض تدعم الأسواق والصناعة المحلية وتزيد الصادرات، وتوفر القطع الأجنبي وتحسن سير العملية الإنتاجية، لافتاً إلى أن الدعم الحكومي للمعارض يجب أن يركز على التخفيف من تكاليف نقل البضائع إلى المعارض الخارجية، والشحن المجاني لعقود التصدير التي توقع في المعارض الداخلية.
أحمد العمار