ثقافةصحيفة البعث

أماسي تكرم المايسترو ميساك باغبودريان

“رحلة عاطفية ثقافية” هكذا وصف المايسترو ميساك باغبودريان قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية وعازف البيانو الأمسية الكلاسيكية في جلسة تكريمه في أماسي من قبل وزارة الثقافة في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بإدارة الإعلامي ملهم الصالح.

ولم يختزل الفيلم التوثيقي الذي عرض مراحل حياة المايسترو باغبودريان، ومحطات دراسته في سورية وخارجها فقط، وإنما كان شريطاً لمسيرة الفرقة السيمفونية الوطنية وأهم الأمسيات التي قدمتها بقيادته مستحضراً دور الراحل صلحي الوادي، والأجمل كان بالشهادات التسجيلية من قبل د. محمود السيد الذي وصفه بالابن البار لسورية، وبشهادة د. لبانة مشوح التي تحدثت عن قسوته النابعة من رغبته الدائمة بالإبداع، ومن الأب إلياس زحلاوي الذي وصفه بالتلميذ الوفي لصلحي الوادي، إضافة إلى شهادات من الموسيقيين ومن عائلته تشير إلى جوانب إيجابية تمثلت بالتزامه وتحمله أعباء المسؤولية.

ارتباط الفرقة بالمجتمع

في بداية الحديث عاد باغبودريان إلى تاريخ الموسيقا الكلاسيكية العالمية الذي يعود إلى عام 1800م، وإلى عدد الأمسيات الكبير الذي قُدم مما جعل الجمهور يتعرف إلى أغلب المقطوعات، فأصبحت بعض الفرق تلجأ إلى الفكاهة لاستقطاب الجمهور والتسويق، بينما يعود انتشار الموسيقا الكلاسيكية في سورية إلى عام 1960 وتمّ تأسيس الفرقة السيمفونية الوطنية عام 1993، وحتى الآن يوجد الكثير من الأعمال التي لم تقدم في سورية رغم أن الفرقة تقدم أمسية كل شهر تقريباً، وقد فرضت سنوات الحرب طابع الجدية باختيار البرامج المقدمة، لارتباط الفرقة بالحالة النفسية والحياتية التي يعيشها المجتمع.

المكان كان أيضاً محوراً هاماً بالحوار عبر السؤال عن تقيد الفرقة بمسرح الأوبرا وما مدى إمكانية تقديم بعض الأمسيات بالمسرح المكشوف في مجمع دمر، فأوضح باغبودريان بأنه سابقاً تم تقديم بعض الأمسيات بالمسرح المكشوف إلا أن خشبة المسرح لم تتسع إلا لمشاركة ثلاثين موسيقياً، وقبل سنوات الحرب كانت الفرقة مرتبطة بتقليد سنوي بأن تقدم أمسية كل عام بقصر العظم، وبيّن أن أي مشروع تقدمه الفرقة خارج الدار بحاجة إلى تمويل مادي، لذلك حالياً تقدم الأمسيات بالأوبرا، إلا أن الفرقة تمضي بخطوات جديدة وستقدم أمسية باللاذقية بدار الأسد وبقلعة حلب.

المحور الثاني بالحوار تركز حول مراحل التحضير للأمسية وتركيز قائد الأوركسترا والدقة العالية بالتواصل مع جميع العازفين وتوزيع الأدوار لهم، فتحدث باغبودريان عن المرحلة الأولى التي وصفها بالعمل التحضيري في غرفة الدراسة، إذ يقوم قائد الفرقة بدراسة النوتات التي كتبها المؤلف الموسيقي فتتشكل رؤية كاملة للعمل، ثم يتم نقل تفاصيل العمل إلى العازفين بكل ألوانه وأبعاده الموسيقية بتوزيع الأدوار لهم، ومن خلال البروفات يصل إليهم إحساس القائد وكل المشاعر التي يبوح بها العمل وتترجمها أصوات الآلات لتخرج التحفة النهائية للجمهور وفق رؤيته، والفكرة الهامة التي توقف عندها باغبودريان هي ارتباط الفرقة بالجمهور ودوره بالتأثير على الطاقة الإيجابية للفرقة وإحساس القائد بارتفاع طاقة الفرقة أو انخفاضها من خلال تفاعل الجمهور.

وعن دور القائد ودور الإشارات المرتبطة بالمقاييس الموسيقية دخل باغبودريان بتفاصيل موسيقية عميقة وتخصصية مبيّناً أن القائد يدرس مواد اختصاصية تساعده بتشكيل معرفي كبير بالعلوم الموسيقية حتى يقنع الموسيقيين بخبرته التي تؤهله للقيادة، ولابد من أن يقرأ الصولفيج لكل الآلات ويلم بخصائص وتقنية كل آلة وخصوصية أبعادها الصوتية ودرجاتها الموسيقية التي تختلف من آلة إلى أخرى، ويتقن العزف على بعض الآلات.

هامش الاختلاف

وحول سؤال إذا كانت القيادة تختلف من قائد إلى آخر، أكد باغبودريان بأنه من الخطأ الكتابة بأن القائد يغيّر بالتوزيع الموسيقي الذي كتبه المؤلف، وإنما هامش الاختلاف يبدو بتغيّر توازن الأصوات بين الكتل الموسيقية وفق إحساس القائد وانفعاله بالعمل.

ثم تطرق الصالح إلى ما وصفه بالجانب التربوي بعرض فيلم توثيقي عن علاقة باغبودريان بأطفال مشروع” بكرا لنا” فتحدث رئيس نادي المحافظة ومشروع بكرا لنا  محمد السباعي عن علاقته بباغودريان الذي جعله يعشق الموسيقا الكلاسيكية، وعن علاقته برعاية المواهب الموسيقية للأطفال.

ومن الأسئلة الهامة التي وجهت إلى باغبودريان من الجمهور حول الصفات التي يجب أن يتحلى بها المستمع إلى الموسيقا الكلاسيكية؟ فاستحضر من ذاكرته صور مشروع موسيقا على الطريق، وتحدث عن تجربة الفرقة السيمفونية بالعزف بحديقة المنشية، ليخلص إلى أن الإحساس الصحيح بالموسيقا يصل إلى أيّ شخص.

كما وجه سؤال عن لقب المايسترو وماذا يضيف للقائد، فأوضح بأنه –أدبياً- ليس مع ارتباط لقب المايسترو باسم القائد، لأن اسم القائد معروف دون لقب المايسترو وعالمياً لا يذكرون المايسترو مع اسم القائد، منوّهاً إلى أن لقب المايسترو كان يطلق على المبدع في أي مجال ثم انحسر ليبقى مع الموسيقا.

وعن الخطة الموسيقية أجاب بأنه من الممكن أن يضع خطة لسنة أو سنتين، إلا أن المتغيرات تفرض التكيف بمرونة مع الواقع، لاسيما باضطرابات داخلية وخارجية تؤثر على الثقافة والموسيقا كما حدث بسنوات الحرب وسفر الموسيقيين خارج القطر، ووقوف الفرقة السيمفونية أمام مفترق الطرق إما التوقف أو الاستمرار، فكان خيارها الاستمرار والاستعانة بالشباب.

والحديث عن الموسيقيين الشباب أثار شجون باغبودريان الذي استرجع سنوات دراسته وحضور الطلاب باكراً إلى غرفة التمرين، الالتزام الذي يفتقده الآن بين الطلاب، متمنياً التزام الطلاب بالتدريبات اليومية وتجاوزهم كل الصعوبات، والأهم البقاء في سورية ورفد الجيل الجديد بكوادر موسيقية أكاديمية.

الجائزة التقديرية

واقترح د. إياد الشطي بأن تشارك الجهات الأهلية والرسمية مثل جمعية صدى ومركز-أبو رمانة- بترشيح أسماء الشخصيات لنيل جائزة الدولة التقديرية مرشحاً المايسترو ميساك لجائزة العام القادم.

حضر الأمسية العازف اليافع الموهوب قيس الصفدي وعزف مقطوعة على البيانو الكهربائي إهداء للجمهور والمايسترو ميساك، الذي أنهى الأمسية بقوله: “واجبي الوطني أن أزرع حب الموسيقا لدى الأطفال كي تكون سنداً لهم ويعيشون وطنيتهم بشكل مختلف.

وفي ختام الأمسية تم تقديم درع التكريم للمايسترو باغبودريان من قبل مدير ثقافة دمشق وسيم المبيض ومديرة المركز رباب أحمد بحضور والده نوبار باغبودريان وعشاق الموسيقا الكلاسيكية.

ملده شويكاني