الشــــعب الفلســــطيني ضحيــــة لإنكــــار الإنســـانية
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع لوغراند سوار 2/9/2019
كشف قرار الكيان الإسرائيلي منع نائبتين ديمقراطيتين في الكونغرس الأمريكي من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة عن الطبيعة الإجرامية والحربية والعنصرية للكيان، لكن فهمنا للقرار الإسرائيلي والجدل والمناقشات التي أثارها يجب ألا يتوقف عند هذا الحدّ، لأن الفلسطينيين الذين يناضلون ويكافحون من أجل التحرّر من الاحتلال الإسرائيلي، وقوانينه العنصرية سيبقون يعانون من العزلة والقيود المفروضة على تحركاتهم وتنقلاتهم لفترة طويلة بعد أن يتوقف الناس عن الحديث عما حدث للنائبتين الديمقراطيتين.
بعد أن فرضت سلطات الكيان الإسرائيلي العزلة شبه الكاملة على قطاع غزة في عام 2007، واجه آلاف المرضى الفلسطينيين الذين يحتاجون لرعاية طبية عاجلة في القدس الشرقية أو في أي مكان آخر في الضفة الغربية عدداً من الخيارات الصعبة. ونتيجة لذلك، مات كثيرون في منازلهم، بينما انتظر آخرون شهوراً أو أعواماً للحصول على تصريح لمغادرة قطاع غزة تحت الحصار. في الواقع، منذ قيام الكيان الإسرائيلي في عام 1948 على أنقاض البلدات والقرى الفلسطينية مارس سياسة الانفصال والحصار والقيود المادية إزاء الشعب الفلسطيني.
لقد أدّى إنشاء الكيان المحتل إلى تشريد وتشتيت الشعب الفلسطيني الذي تدفق بالملايين إلى أنحاء مختلفة من العالم، وما زال لا يحق لهم العودة إلى بلدهم، كما تمّ تقييد أولئك الذين تمسّكوا بالبقاء في فلسطين المحتلة في مساحات صغيرة معزولة عن بعضها البعض يحكمها نظام تحكم بربري كامل. وبعد قيام الكيان مباشرة عانت المجتمعات المسيحية والإسلامية الفلسطينية التي نجت من عملية التطهير العرقي التي مارستها الميليشيات الصهيونية خلال الحرب من سنوات من العزلة بموجب قانون الطوارئ، إذ تخضع الحركات الفلسطينية في هذه المناطق للقانون العسكري ونظام التصاريح.
وبعد احتلال الـ 22٪ المتبقية من فلسطين التاريخية عام 1967، تمّ تطبيق قانون الطوارئ أيضاً في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وأعلن الجيش الإسرائيلي بين عامي 1967 و1972 أن جميع الأراضي المحتلة “منطقة عسكرية مغلقة”. وبين عامي 1972 و1991 سمح للعمال الفلسطينيين بدخول إسرائيل فقط للعمل كعمالة رخيصة. بينما واجه مئات الآلاف من الفلسطينيين الفقراء واليائسين والمتعلمين في كثير من الأحيان تعليماً حتمياً يتمثّل في تحمّل ظروف عمل مهينة في إسرائيل من أجل إعالة أسرهم، لكن حتى هذا المسار كان مغلقاً في أعقاب الانتفاضة الأولى عام 1987، خاصة بعد الحرب في العراق عام 1991. وفُرض إغلاق تام مرة أخرى على جميع الفلسطينيين في البلاد، وزاد على ذلك حين قسّمت اتفاقية أوسلو التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1994 الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق (أ، ب، جـ)، ما افتتح حقيقة مروعة أخرى عن طريقة عزل الفلسطينيين عن بعضهم البعض.
ثم جاء فرض “جدار الفصل العنصري” الذي شيّده الكيان الإسرائيلي عام 2002 المزيد من القيود على الفلسطينيين الذين أصبحوا الآن معزولين في “البانتوستانات” التي تذكرنا بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، مع وجود المئات من نقاط التفتيش العسكرية “الدائمة” في جميع أنحاء الضفة الغربية. لقد تمّ تغيير إستراتيجية الفصل الإسرائيلية، وعزلت جميع الفلسطينيين بفرض الحبس الفردي لتدمير أي شعور بالتماسك والاستمرارية الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، قام الجيش الإسرائيلي “بتركيب بوابات حديدية عند مداخل الغالبية العظمى من القرى في الضفة الغربية لتزداد العزلة أكثر فأكثر”!.
لا ينتهي الأمر هنا. في آذار 2017، وافق (الكنيست) على تعديل للقانون يحظر دخول الرعايا الأجانب الذين “قاموا عن قصد بتقديم نداء علني لمقاطعة دولة إسرائيل”. أصبح “قانون المقاطعة” متجذراً في قانون يعود إلى عام 2011. وكلّ فلسطيني أينما كان، يخضع لهذه القيود. بينما يُحرم البعض من الحق في زيارة أسرهم، يموت آخرون بمفردهم في المناطق المحاصرة وفي “المناطق العسكرية المغلقة”، بينما يتمّ فصلهم عن بعضهم البعض بواسطة جدران غير سالكة والعديد من نقاط التفتيش العسكرية.
هذه هي قصة عزلة الفلسطينيين من قبل سلطات الكيان الإسرائيلي ومعاناتهم اليومية من سياستها القمعية والعنصرية، ويجب ألا ندع ذكرياتها تتلاشى، ولاسيما ما حدث للشابتين اللتين انتُخبتا لعضوية الكونغرس، رشيدة طليب، والهان عمر نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية المعتادة للقانون.