رياح “أفيميم”
كما يوم العدوان “الإسرائيلي” على لبنان، لم يحمل يوم الأحد الماضي، حين ردّت المقاومة عليه، أي جديد عمّا اعتدناه وألفناه في مثل هذه الحالات، فلم يخرج “نتنياهو” مثلاً عن مألوف عادته في الكذب على “جمهوره” أولاً والآخرين ثانياً، كما لم يخرج الصهاينة العرب، دولاً وأفراداً وجامعة عربية..!!، عن مألوف عادتهم في المزايدة على “الإسرائيلي” والوقوف على يمينه في مسألة التهويل من أفعال وقدرات العدو، والتهوين من شأن أي عمل مقاوم ضده، وبدورها لم تخرج المقاومة عن مألوف عادتها في صدق الوعد بالرد والجهوزية الكاملة لتحمّل تبعاته.
بيد أن المواقف التي رافقت “العملية”، وتلتها، كانت محزنة في جانب منها، ولكنها “مفهومة” أيضاً، بمعنى فهم السياسة لا تفهّمها، فإذا كان “نتنياهو” قد ابتلع رد المقاومة، وكذب كي يحافظ على حياته السياسية ومنصب رئاسة الحكومة، ويتفادى بالتالي طريق المحاسبة والسجن، فإن الصهاينة العرب، وإن تفوّقوا بملكة الكذب، لم يكن لديهم ترف “الابتلاع” كحال سيدهم، وبالتالي كان موقفهم المتواطئ يدعو، في جانب منه، للرثاء والشفقة في الآن ذاته، ففي مقابل تشكيك وسائل إعلام العدو برواية رئيس وزرائهم وجيشهم عن العملية بأكملها، شكّكوا هم بالمقاومة وروايتها، بل خوّنوها وطعنوا في عروبتها ووطنيتها وإسلاميتها، وقد فعلوا ذلك لأسباب متعددة، بعضهم، كسيده “الإسرائيلي”، ليحافظ على حياته السياسية، ويحفظ كرسيه المذهّب، وبعضهم كي يحفظ مصدر رزقه من البترودولار الأسود، والبعض لحفظ أحقاده الماضوية من الزوال، خاصة وأنه لا يملك غيرها، والبعض كي لا تفضحه الضربة/ الرد، وتتركه عارياً أمام حقيقة أن الاستسلام، كالنعاج، ليس الطريق الوحيد المتاح للحياة.
بهذا المعنى كان لعملية المقاومة الجريئة – تمّت في ظل تهديد علني بحتميتها واستنفار “إسرائيلي” كامل لمنعها – أن تصيب عدة عصافير بـ”صاروخ” واحد، فهي وإن أعادت الألق لجملة “إسرائيل أوهى من بيت العنكبوت”، فقد أعادت التأكيد على حقائق عدة نعيها جميعاً، ولكن الضخ الإعلامي الهائل والمعاكس كاد أن يطمسها نهائياً، أولها، أن “التلاحم العربي الصهيوني”، و”المصير المشترك”، كانا، كما العادة، مذهلين في قوتهما واستمراريتهما منذ إنشاء الكيان، وحتى قبله، فبينما كانت “حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف” لإقامة “دولة إسرائيل”، في مطلع القرن الماضي كان بعض العرب في الفترة ذاتها، وقبل النكبة بسنوات طوال “لا يرى مانعاً من إعطاء فلسطين لليهود أو لأي طرف آخر”، وهو اقتباس حرفي من بعض فضائحهم التي تمتلئ خزائن وزارة الخارجية البريطانية بالكثير منها، وثاني هذه الحقائق، أن أغلب الإعلام “العربي” يقوم بدوره المرسوم أمريكياً بصورة كاملة، وثالثها، أن المقاومين و”المقاومة” لم يعودوا يبالون أو يهتمون بما يصدر عن “عرب”، من العاربة والمستعربة، أو عن “جامعتهم” التي أكملت معهم، وبهم، منذ زمن دورة التحوّل إلى ظواهر صوتية خالصة، لأن كلفة المقاومة – وهي الحقيقة الرابعة – أقل بكثير من كلفة الاستسلام، على مختلف الصعد والجهات.
خلاصة القول: يوم الأحد نفّذت المقاومة بعض مما وعدت به في “كلامها”، وحققت ما تريده في هذه المرحلة، ونفّذ “نتنياهو”، بالابتلاع والكذب، استدارة كاملة للهرب من تبعات الرد والرد المضاد. نفّذ الصهاينة العرب ما وُجدوا من أجله، وما اعتادوا عليه، ولكن رياح “أفيميم” وأشباهها قالت لـ”الإسرائيلي” وصحبه: إن الفشل سيكون نصيبكما “في تحقيق الغاية التي كنتم تخططون لها”.. والأيام فيصل.
أحمد حسن