العملية مقدّمة للخراب الكبير
هذه خلاصة العملية التي قام بها أبطال المقاومة اللبنانية في حزب الله، حسبما جاء في كلام سماحة السيد حسن نصر الله تعقيباً على تخرّصات الحكومة الصهيونية التي حاولت التخفيف من شدّة وقعها على الداخل الإسرائيلي، حيث قامت بفبركة صور لإجلاء جرحى العملية، وقالت إنها لم تكن كما وصفها حزب الله نوعية وقوية في العمق الإسرائيلي.
السيد نصر الله ركّز في كلمته على البعد الاستراتيجي للعملية، وليس على الأثر الآني لها، بمعنى أنها تحمل دلالة كبيرة على ضعف “دولة الكيان” التي كانت إلى حدّ قريب تتباهى بأن صراعها مع دول الطوق ينحصر في الأراضي المحتلة منها، حيث كانت تتركز عمليات المقاومة على الجانب المحتل من الأراضي اللبنانية، بينما أتاح غباء رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو باستهدافه المقاومين اللبنانيين والضاحية الجنوبية، للمقاومة أن تفرض عليه قواعد ردع جديدة بردّها على الاعتداء الصهيوني داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا ما عبّر عنه سماحة السيد بقوله: إنه لم تعُد هناك خطوط حمراء في الصراع مع هذا العدو، فكل الأماكن التي يكون فيها هذا العدو هدف مشروع للمقاومة ابتداء من 1 أيلول 2019.
والعملية التي قام بها أبطال المقاومة في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 لا تكمن أهميتها فقط في توقيتها، بل تتجاوز هذا التقدير تماماً، لأنها أولاً منعت الصهاينة من فرض قواعد اشتباك جديدة، وثانياً أكدت لهم أن الردّ لن يقتصر على الحدود مباشرة، بل سيتجاوز ذلك إلى الداخل، وهذا بحدّ ذاته إنجاز كبير للمقاومة التي استطاعت أن تجبر العدو على الاعتراف بأن الأثر الذي تركه حديث السيد قبل أسبوعين عن وجوب ترقّب الجانب الإسرائيلي للردّ وانتظاره أعظم بكثير من نتائج العملية بحدّ ذاتها، بمعنى أن العملية بدأت فعلاً من تهديد السيد نصر الله للجانب الصهيوني بضرورة الوقوف على “إجر ونص” بانتظار الردّ من حزب الله، وهذا يدل على عجز استخباري صهيوني كبير عن حماية الداخل الإسرائيلي، حيث وقعت العملية خلف الخطوط التي حدّدها العدو الصهيوني مكاناً آمناً لتحرّكات جنوده، مع علمه المسبّق بأن العملية ستتم في الداخل، وكل الإجراءات التي اتخذها لمنع وقوع العملية وحتى التغطية عليها بعد وقوعها باءت بالفشل، حيث قام رجال الحزب بتصوير العملية كاملة وبثّها بعد أن حاك العدو مجموعة من الروايات الكاذبة للتغطية عليها.
حالة الرعب التي خلّفها كلام السيد في قلوب الصهاينة قبل تنفيذ العملية أكبر من تلك التي أوجدها في نفوسهم بعد العملية، حيث أخلت قولت الاحتلال الصهيوني ثكناتها المتاخمة للشريط الحدودي، وعمدت إلى استخدام الدمى في التمويه على تحرّكاتها، كما عمدت إلى استخدام عناصر من يهود الفلاشا كطعم لرجال المقاومة الذين فضحوا هذا السيناريو بعدم استهدافهم لهم، معمّقين بذلك الشرخ الذي يعيشه المجتمع الصهيوني من التمييز العنصري في الداخل، فضلاً عن الرعب الذي ساد مستوطنات الشمال قبل العملية وبعدها، الأمر الذي يؤثّر في الحالة الوجودية ذاتها التي يعيشها الكيان الصهيوني من إمكانية زواله في أي لحظة تاريخية.
لذلك يستطيع المراقب لحديث السيد الأخير أن يؤكد أن طيش نتنياهو وحماقته جلبا على الكيان الصهيوني بأسره وبالاً كبيراً، وأن الحديث هنا يتعلّق بمسألة وجودية، وليس بالعملية وحدها، فهي مؤشّر على أن العدو الصهيوني بلغ طوراً من الضعف ينبئ بالخراب الكبير.
طلال الزعبي