ثقافةصحيفة البعث

هل يتقاعد المبدع ؟

 

عنوان قد تختلف فيه الآراء وقد يفتح باباً واسعاً للنقاش مباشرة عندما نطرح هذا السؤال على أحدهم سيكون الجواب الحاضر بالتأكيد أن الإبداع لا يشيخ وأن أصحابه يبقون رموزاً وأيقونات في المجتمع، وجهة النظر هذه قد نؤيدها جميعاً من الجانب الإنساني لأن الوفاء لما قدمه المبدعون يفترض استمرارهم بالعطاء حتى رحيلهم، ووجهة نظري الخاصة أن هذه القضية تختلف باختلاف أشكال الإبداع، فعلى سبيل المثال تختلف الإجابة عندما نتحدث عن مبدعين في مجال الكتابة الروائية أو القصصية أو الفن التشكيلي وعن مبدعين في مجالي التمثيل أو الغناء أي المهن التي تعتمد على الحضور وعلى صفات جسدية معينة كالمطرب الذي يعتمد بالدرجة الأولى على صوته في الجانب الأول، أي المهن التي يعرف فيها الجمهور المبدع من خلال كتاباته أو لوحاته لا مشكلة في استمرارية هؤلاء حتى بعد رحيلهم عن الدنيا طالما استطاعوا العطاء أما في مجالي التمثيل والغناء فالوضع مختلف إلى حد ما ومثال بسيط قد يوضح ما أعنيه، ترى لو كتب لأم كلثوم أن تعيش إلى يومنا هذا وأن تجدد إحدى أغنياتها القديمة التي استقرت في الذاكرة بعد أن تقدم بها العمر وفعل فعله بصوتها هل كانت ستؤدي الأغنية بنفس الجمال الذي قدمته سابقاً، وهل كنا سنحتفظ بنفس الذكرى الجميلة عن الأغنية القديمة؟ هذا المثال للتوضيح لا أكثر لأن المبدعة أم كلثوم استمرت بالعطاء وبقيت في قمة التألق حتى رحيلها، لكن هذه الحالة قد تكون من الحالات النادرة والحال السابق قد ينطبق على فنانين نراهم اليوم بعد أن هرموا وترك الزمن بصماته واضحة على وجوههم وعلى أصواتهم بعضهم مازال على الشاشة.
من الجميل أن يبتعد الممثل أو المطرب عن الوسط الفني وهم أقوياء ليحافظوا على صورتهم الجميلة في أذهان من أحبوهم، لأن الصورة الأخيرة التي نراهم بها هي التي تبقى راسخة في أذهاننا بعد رحيلهم ونحن بالتأكيد نحب أن نراهم في أبهى صورهم وفي قمة تألقهم، ولا أقصد هنا بالتقاعد أن ننسى فضل هؤلاء وننكر ما قدمومه لأن الوفاء قد يتخذ صورا شتى كتقديم برامج توثق ما قدموه أو إنتاج أفلام عن حياتهم لأن هناك شخصيات مبدعة لم ولن يكررها التاريخ أبداً، والتكريم الأكبر أن يحافظ هؤلاء على الصورة الجميلة التي دخلوا من خلالها إلى قلوب الناس.

جلال نديم صالح