التصعيد الإسرائيلي في سورية ..هروب إلى الإمام من مأزق داخلي
د.معن منيف سليمان
يرتبط التصعيد الإسرائيلي في سورية، بالسياسات الداخلية والانتخابات المقبلة في “إسرائيل”، وعلى الرغم من أنّه لا يوجد أيّ دليلٍ على ما يدّعيه كيان الاحتلال بشأن إحباط وجود خطة إيرانية لضرب أهداف إسرائيلية، يحاول رئيس الوزراء الصهيوني “بنيامين نتنياهو” الخروج من مأزقه والهروب إلى الأمام وادعاء أنه يقصف مواقع إيرانية في سورية، ومن بعدها استثمار أصداء الغارة في اللعبة السياسية الداخلية.
يستخدم رئيس الوزراء الصهيوني “نتنياهو” الغارة الأخيرة على سورية، لرد وصدّ الاتهامات له من قبل خصومه السياسيين في المعركة الانتخابية التي باتت تقترب من نهايتها، بأنه يتهاون في مواجهة حركة “حماس”، بل ويدفع “الأتاوة” للحركة، في إشارة إلى أموال الدعم التي تقدمها مشيخة قطر لإعادة إعمار قطاع غزة. وهي تتيح لـ” نتنياهو” متنفساً في الانتخابات يمكنه من استعادة صورة الزعيم الذي لا يتهاون عندما يتعلّق الأمر بأمن “إسرائيل”.
وقد برز ذلك جلياً في مسارعة وزير خارجية الاحتلال في حكومة العدو الصهيوني، “يسرائيل كاتس”، إلى التأكيد على أن الغارة الإسرائيلية الأخيرة جاءت ضمن السياسة الأمنية لـ “نتنياهو”، الذي أثبت قدرة على اتخاذ القرار الحاسم واللازم وتحصيل موافقة المجلس السياسي والأمني للحكومة، عندما يتعلّق الأمر بالأمن الإسرائيلي وبالتهديدات الأمنية والخطر الذي تشكله إيران ونشاطها العسكري في سورية على حدّ قوله.
وفي هذا السياق، فإن تصريح “كاتس”، والغارة الصهيونية الأخيرة، تذكّر أيضاً بالوضع الذي ساد في الحكومة الإسرائيلية في شهر تشرين الثاني الماضي عام 2018م، عندما رفض أ”فيغدور ليبرمان” اتفاق التهدئة مع حركة حماس، وانسحب من الحكومة الإسرائيلية، فيما حاول زعيم “البيت اليهودي” آنذاك “نفتالي بينت” التهديد بأزمة ائتلافية إذا لم يتم تعيينه وزيراً للأمن، متهماً “نتنياهو”، مثله في ذلك مثل ليبرمان، بالتهاون في مواجهة حركة “حماس”.
ومن ناحية أخرى، أخفقت “إسرائيل” في كل مخططاتها في سورية واضطرت إلى التخلي عن جميع أوراقها، فهي قد منعت من دخول الأجواء السورية بعد إسقاط الطائرة الروسية وأخفقت في غزة، كما تصدّعت حكومتها واستقال وزير حربها، ورئيس حكومتها ملاحق قضائياً، لذا كان من الطبيعي أن يحاول “نتنياهو” الهروب إلى الأمام وادعاء أنه يقصف مواقع لحزب الله وإيران.
وفي هذا الإطار، اتهم المحلّل الإسرائيلي في صحيفة “معاريف”، “مناحيم بن”، رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتيناهو”، بالعمل على إشعال حرب غير ضرورية، قائلاً:” إن “نتنياهو” يتصرّف بطريقة غير مسؤولة، تشكل تهديداً لإسرائيل”. وأوضح المحلل أن نتنياهو يقوم بذلك قبل أيام قليلة من الانتخابات، فيما يفترض به أن يكون أكثر حذراً في مثل هذا الوقت.
وأضاف المحلّل الإسرائيلي:” إن “نتنياهو” يدير خطة حرب مباشرة على أعتاب الانتخابات، وهو أمر لا يطاق. لذلك، يجب على المدعي العام أن يتحرّك، قبل فوات الأوان، لوقف “نتنياهو”، بسرعة، قبل الانزلاق إلى حرب شاملة، وعدم السماح لـ “نتنياهو” بإشعال الحرب، لكي يحقق هدفه المتمثّل بإعلان حالة الطوارئ وتأجيل الانتخابات”.
وعلى كل حال، فإن هذه الغارات لم تغيّر شيئاً في المعادلة العسكرية فيما يعلم الجميع أن رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” في مأزق كبير. وبالتالي هي ليست سوى محاولات يائسة للهروب من الواقع الإسرائيلي المأزوم سياسياً وعسكرياً يسعى قادة العدو الصهيوني من خلالها للتغطية على إخفاقاتهم المتكررة في تغيير قواعد الاشتباك وهو ما لم يكتب له النجاح حتى هذا الوقت.
لقد اختبر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الساحة بعد القرار الأمريكي بالانسحاب وتثبيت الخطوط الحمر بعد رحيل الجيش الأمريكي، والأهم عرض عضلاته كوزير للدفاع خلال الحملات الانتخابية، وهذا ما يفسّر خرقه التقليد الإسرائيلي حيث يدأب على تبنّي الغارات رسمياً بهدف استثمار كامل الهامش المسموح به للتصعيد مع الحذر من خرق المحظور والانزلاق إلى مواجهة مباشرة لا يسعى إليها، وبخلاف الصورة الظاهرة فإنّ “نتنياهو” محشور داخلياً وهنا مكمن الخطر.
إن التدخل الإسرائيلي المباشر عن طريق استخدام القوة العسكرية بغية وضع قدم “إسرائيل” في قلب الحدث السوري، يخلط الأوراق ويصب النار على الزيت لتبدأ مرحلة المخاطر العالية حيث لا يمكن التكهن بالنتائج عندما يفتح الباب أمام المواجهة العسكرية المباشرة. فالغارة الأخيرة اختلفت جذرياً عن سابقاتها ما جعل روسيا تحمل تحذيراً سورياً – إيرانياً إلى “إسرائيل” بأنّ ما حصل يبدّل من قواعد اللعبة، وأنّ الاعتداء الأخير فتح الباب واسعاً أمام المواجهة العسكرية المباشرة.
التهديد الذي صدر عن طهران وتلاه تهديد سوري بضرب مطار “إسرائيل” على لسان مندوب سورية في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري، كان يعزّز التحذير الروسي وخاصّة أن قائد القوات الجوية الإيرانية “عزيز نصير زادة”، أعلن بشكل حاسم عن استعداد قوات بلاده لخوض المعركة ضدّ “إسرائيل” وإزالتها من الوجود.
لكن يبدو أن النفي الإيراني، غير الرسمي، حسبما جاء على لسان القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني الجنرال “محسن رضائي”، بقوله: “هذا كذب وغير صحيح، لا تملك “إسرائيل” والولايات المتحدة القوة لمهاجمة مختلف مراكز إيران، ومراكزنا الاستشارية لم تُصب بضرر”. يؤكّد أن رئيس الوزراء الصهيوني “بنيامين نتنياهو” يحاول الخروج من مأزقه الداخلي والهروب إلى الأمام من خلال الادعاء أنه يقصف مواقع إيرانية في سورية، بهدف استثمار نتائج الغارة سياسياً في مواجهة خصومه داخل إطار حملته الانتخابية.