“البريكست” ولعبة الاتحاد الأوروبي
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع ناشيونال ريفيو 7/9/2019
عانى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من سلسلة مذهلة من الهزائم في مجلس العموم بعد أن تخلّى عنه الكثيرون في حزبه، بل الأكثر من ذلك، تركوا البلاد من خلال الانضمام إلى الائتلاف الموالي للاتحاد الأوروبي في البرلمان، لذلك سيتطلّب مشروع جونسون كي يصبح قانوناً أن يركع على ركبتيه أمام الاتحاد الأوروبي لطلب التمديد الثاني.
جرّد البرلمان البريطاني المملكة المتحدة فعلياً من كل نفوذها التفاوضي وجعل من المحتمل ألا يحدث شيء من الانفصال التام عن الاتحاد الأوروبي. ومن الواضح أن ما ستنتهي إليه بريطانيا سيكون إما استمرار العضوية في الاتحاد الأوروبي أو نوعاً من الخروج المعيب لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مثل تلك الاتفاقيات التي تمّ رفضها سابقاً عندما حاولت تيريزا ماي تسويقها في مجلس العموم.
كتب توني بلير في مقال افتتاحي في صحيفة “إيفنيغ ستاندرد”: “استفتاء بسيط سوف يحلّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”. في الواقع كان هناك بالفعل استفتاء، لكن هذا الاستفتاء، كما يبدو، أدى إلى نتيجة خاطئة. فقد قرّرت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، ولكنها لا تستطيع المغادرة لأنه بعد فشل الجهد الهائل من الحزبين المعروف باسم “مشروع الخوف”، والذي تدعمه وسائل الإعلام بالإجماع تقريباً، في تخويف الرأي العام البريطاني للتصويت لصالح البقاء في عام 2016، يجب مطالبة الرأي العام البريطاني بالتصويت مرة أخرى، كما يقول بلير. هناك الآن جهد أكثر ضخامة من الحزبين بقيادة وسائل إعلام أكثر إجماعاً تقريباً (تحوّلت صحيفة ديلي ميل إلى جانب قضية البقاء)، لتخويف الناخبين حول احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، هذا الخروج الذي يريده قليلون حقاً، لكن لا يمكن تجاهل الخشية من مفاوضات جادة مع الاتحاد الأوروبي. وإذا كانت صفقة “لا اتفاق” غير مطروحة على الطاولة، فإن الاتحاد الأوروبي يمسك بكل الأوراق. وهنا يحثّ بلير، الذي يرغب بشدة في أن يخضع بلده لأي شيء يمليه الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة على عدم الخروج.
في الحقيقة، يريد بلير إجراء استفتاء ثانٍ لأنه يخشى من أنه إذا كان على جونسون إجراء انتخابات عامة والفوز بأغلبية واضحة – والمحافظون متقدمون جداً على حزب عمال جيريمي كوربين، وفقاً لآخر استطلاعات الرأي- فقد يشقّ طريقه لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن قبول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن خروجها لن يكون طبيعياً. يكتب بلير: “في تاريخ بريطانيا الذي يمتد على ألف عام ليس طبيعياً التخلي عن سيادتها على كل شيء، من العدالة الجنائية إلى سياسة الهجرة إلى التفاصيل التنظيمية الدقيقة”.
وفي مقال في مجلة “كليرمونت ريفيو أوف بوكس” يلخص كريستوفر كالدويل قواعد اللعبة الأوروبية المناهضة للديمقراطية، ويقول: ففي عام 1992 رفض الناخبون في الدانمارك معاهدة “ماستريخت” ثم صوتوا بالطريقة التي يريدها الاتحاد الأوروبي في عام 1993. كذلك رفض الناخبون الإيرلنديون معاهدة “نيس” في عام 2001 ثم تمّت إعادتهم في عام 2002 إلى صناديق الاقتراع عندما صوّتوا وفقاً لرغبات الاتحاد الأوروبي. وبعد أن رفضت إيرلندا معاهدة “لشبونة” في عام 2008، عاد الناخبون إلى صناديق الاقتراع لتحقيق النتيجة المطلوبة من الاتحاد الأوروبي في عام 2009. كتب كالدويل قائلاً: “لقد أصبحت تلك الإعادات رمزاً على مستوى أوروبا لازدراء الناخبين، ولهذا السبب صوّت البرلمان بأغلبية ساحقة في آذار 2017 لتأكيد الاستفتاء، وتفعيل المادة 50 من الاتحاد الأوروبي، وتحديد موعد الانسحاب البريطاني”.