روسيا تحتضن باكستان
ترجمة: لمى عجاج
عن موقع نيو استرن اوتلوك 8/9/2019
إن الظهور التدريجي للعالم متعدّد الأقطاب غيّر في الهيكلة الدولية بطريقة سمحت للاعبين الدوليين بالتحوّل، وأجبرتهم على ضبط النغمات الأساسية لسياساتهم الخارجية والتكيّف مع الحقائق المتغيّرة. وبعد سنوات من الحرب الباردة كان الاتحاد السوفييتي فيها على خلافٍ كبير مع باكستان لتحالفها مع الولايات المتحدة وسماحها لواشنطن بمراقبة الاتحاد السوفييتي عبر استخدام أراضيها في جميع أنواع العمليات العسكرية، اليوم يأتي احتضان روسيا لباكستان في وقتٍ تضعف فيه العلاقات الأمريكية الباكستانية بسبب الحرب في أفغانستان.
تشهد روسيا وباكستان تقارباً واضحاً في المصالح الإستراتيجية جعل إسلام أباد وموسكو أقرب مما كان يتخيّل على النحو الذي سمح لهما بتجاهل بعض الجوانب المريرة لعلاقاتهما السابقة، ففي شهر آذار الماضي انخرطت العاصمتان في مناقشات لتعزيز علاقتهما الإستراتيجية، بما في ذلك المشاركة الروسية المحتملة في الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، فضلاً عن بحثهم عن سبلٍ جديدة لزيادة التجارة والتعاون كجزء من منظمة شنغهاي للتعاون.
يشير هذا التحول بالتأكيد إلى وجود رغبة مشتركة بين الطرفين في بناء علاقات ثنائية قوية تشمل العديد من الاهتمامات المشتركة في مجالات مثل الطاقة والأمن، حيث أظهرت كلّ من موسكو وإسلام أباد مخاوفهما المشتركة بشأن أنشطة “داعش” المستمرة في المنطقة، واحتمال انتشار التطرف والمخدرات عبر أفغانستان مما جعلهما يدرسان حالياً نوعاً من الشراكة الأمنية فيما بينهما، كما أن المحاولات الأمريكية المستمرة لجذب الهند إلى طرفها التي لطالما كانت الحليف التقليدي لروسيا في المنطقة غذّى لدى موسكو الرغبة في استكشاف خيارات جديدة للتقارب مع باكستان.
تمرّ العلاقات الباكستانية الأمريكية بوقتٍ سيئ في عهد الرئيس ترامب جعلها تميل باتجاه مواصلة تحسين العلاقات مع روسيا، فالولايات المتحدة تشدّد الخناق على باكستان وتحمّلها المسؤولية في دعمها للإرهاب، حتى أنها أنهت التحويلات السنوية والتي تُقدّر بـ 1.3 مليار دولار من المساعدات لباكستان بحجة أنها تريد إجبار إسلام أباد على وضع حدّ لقيامها بتوفير ملاذات آمنة لمختلف الجماعات المسلحة في أفغانستان المجاورة. في عام 2014 زادت حدّة التوتر في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، وهو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة سحب قوات الناتو من أفغانستان، السنة نفسها التي رفعت فيها روسيا حظر الأسلحة المفروض على باكستان مما مهّد الطريق أمام البلدين لتوقيع اتفاقية دفاع، كما وصف وزير الدفاع الباكستاني علاقته بالولايات المتحدة بأن “أمريكا ليست حليفاً يمكن الوثوق به، فقد كانت حليفاً نسبياً في الستينات والسبعينات وكانت سياستها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا كارثية”، في الوقت الذي دافعت فيه روسيا بقوة عن باكستان مرة أخرى بإعلانها أن لإسلام أباد “الحق السيادي في رعاية أمنها” في خضم اختبارات الصواريخ المتبادلة لجنوب آسيا.
إن هذه الخطوة غير المسبوقة وبحسب المحلّلين هي علامة واضحة على أن الدولتين قد وصلتا إلى مستوى جديد من التعاون، وخاصةً بعد أن أعلن رئيس وزراء باكستان عمران خان في قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة أن بلاده تريد من موسكو أن تسمح لها بشراء أحدث معداتها العسكرية، ما يظهر أن روسيا وباكستان قد رفعتا من سقف شراكتهما الإستراتيجية إلى مستوى جديد من خلال اتفاق الفضاء الذي تمّ الاتفاق عليه مؤخراً والذي يلزم كل منهما ببذل قصارى جهدهما لمنع عسكرة الفضاء في خطوةٍ تبدو في غاية الأهمية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أنها جاءت بعد إعلان ترامب أن واشنطن ترغب في دخول سباق تسلح جديد في الفضاء.