خلافات “العدالة والتنمية”.. إلى أين؟
صراع سياسي ساخن في تركيا، ومؤشرات تضع حزب العدالة والتنمية التركي على شفا أزمة داخلية، ولم يعد ذلك محض تكهنات أو أحاديث خلف الكواليس، وإنما حقيقة ماثلة، إذ إن قيادات حزبية انشقت عنه تمهيداً لتأسيس أحزاب سياسية جديدة، وبدأت الأصوات المندّدة بسياسات رئيس الحزب أردوغان تتعالى من “رفاقه” ومن أسسوا الحزب معه، تنادي بالتجديد والبحث عن بدائل تعالج مشاكل الشعب التركي.
أسباب كثيرة أوصلت الأمور إلى هذه الدرجة، فسياسات أردوغان القمعية جعلت عدداً كبيراً من القيادات السابقة خارج أطر اتخاذ القرار والمسؤولية في الحزب والحكومة، ما أدى إلى الاختلاف في الرأي معه، وصعوبة التغيير من الداخل، ووجود الطموح السياسي لتلك القيادات التي تنتظر أن تأخذ فرصتها، إضافة إلى الحالة الاقتصادية القلقة التي كانت السبب الرئيسي في خسارته للكثير من أنصاره، وهو ما تجلّى في الانتخابات البلدية الأخيرة، يضاف إلى ذلك طريقته وأسلوبه بتغيير شكل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي للسيطرة على مختلف مجالات الحياة في البلاد.
وقد بدأ “أصدقاء الأمس” ممن أسسوا معه حزب العدالة والتنمية، خطواتهم الفعلية للانشقاق عنه، وتصعيد وتيرة النقد في تصريحاتهم، وأصبح الشرخ واضحاً، تجلّى بإجراءات رسمية تمثّلت باستقالة نائب رئيس الوزراء السابق علي بابا جان رسمياً من الحزب في تموز الماضي، تلاها فصل رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو من الحزب، واستقالة وزير العدل الأسبق سعد الله أرغين، وتوقّعات باستقالات قريبة وكثيرة، وعبّر عن ذلك بوضوح بابا جان، قائلاً: “لقد كنت أعاني من فرقة مع الحزب من الناحية العقلية والقلبية، حيث إنه ابتعد عن المبادئ التي تأسس عليها في البداية، وظهر أمامنا المشهد الحالي الباعث على الحزن والأسى في تركيا”.
سنوات من الاحتكار والتفرّد بالسلطة والعبث بسياسات بلد بأكمله من أجل المصلحة الشخصية، بدأت تلقي بظلالها على أردوغان، مع تخلي أنصاره واحداً تلو الآخر عنه، فحديثهم يشير إلى أنه خطف الحزب منهم، وأن الفرصة المتاحة للعودة إلى الحياة السياسية من بوابة حزب جديد، ومؤخراً أعلن بابا جان أنه يعمل على تأسيس حزب جديد، بمساعدة الرئيس السابق عبد الله غل، ومن المتوقّع تشكيل حزبين سياسيين جديدين بقيادة غول وداود أوغلو، ويرى مراقبون إمكانية إنشاء تحالف بين معسكري غول وداود أوغلو لتشكيل حزب سياسي جديد، ما يعزّز من توقعات تفكك حزب العدالة والتنمية الذي تراجعت شعبيته في الأوساط التركية.
في العموم، قد تتشكّل الأحزاب المنتظرة وقد لا، فيما يلمّح البعض إلى احتمال فرض خيار الانتخابات المبكرة إذا ما كسبت تلك الأحزاب المنتظرة عدداً مهماً من نواب العدالة والتنمية، ما يزيد من حالة القلق التي يعيشها أردوغان، وقد تدفع بالأمور نحو واقع جديد من الصراعات الداخلية، التي غالياً ما استخدم فيها أردوغان تهمة الخيانة ضد معارضيه للنيل منهم، وخاصة داخل حزبه.
صلاح الدين إبراهيم