عندما لا تكون القوى المنتجة شريكة في القرار
كانت… القوى المنتجة شريكة في صنع القرار، ولطالما كان العمال والفلاحون وسائر الطبقات الكادحة هم البناة الحقيقيين للأوطان، والقاعدة الأساسية للاستقرار والتطور والتقدم، والعدالة أيضاً. وبالمقابل كانت قوى الاستغلال والاستعمار والاحتكار والامبريالية بالمرصاد لهذا البناء.
اليوم تدخل الامبريالية في طورها المتوحّش فلم تعد تكتفي بسياسات النهب والاحتكار الاقتصادي، إذ تلجأ إلى أبشع الأساليب المضادة لحرية الإنسان ولإنسانيته، فتعتبر روحه ودماءه وسيلة رخيصة لتحقيق أطماعها، وتنتقل بهذا من الإرهاب الاقتصادي إلى الإرهاب السياسي والاجتماعي وصولاً إلى دعم العصابات المسلحة المتطرّفة التكفيرية الإرهابية والرهان عليها في تنفيذ هذه السياسات الخبيثة.
ولطالما ركّز التاريخ النضالي للشعوب، ولقوى اليسار وأدبياتها خاصة، على فضح هذه السياسات ومواجهتها ونجح في محطات عديدة في هزيمتها، ويمكن أن يستمر هذا النجاح، بل لا بد أن يستمر ويتحقق بمنطق التاريخ وإنسانية الإنسان.
فقد انطلق هذا التاريخ النضالي من اعتبار الملكية الجماعية لأدوات الإنتاج، بما فيها الأرض والآلة، وكذلك علاقات الإنتاج المتكافئة، قاعدة أساسية للعدالة الاجتماعية بكافة تجلياتها الاقتصادية والسياسية أيضاً.
وحين يتم تدمير هذه القاعدة، فإن الخلل في أطرافها يؤدي إلى خلل في الحياة الوطنية، والدولية أيضاً كما نلاحظ في قطاعات واسعة من الحياة المعاصرة، إذ إن طبيعة علاقات الإنتاج السائدة اليوم في أغلب قطاعات الحياة العامة، خاصة بعد الانهيار الاقتصادي، والسياسي، والفكري مع الأسف، للمنظومة الاشتراكية ولقوى اليسار العالمية، أدت إلى هذه الصورة البائسة والمقلقة، بل المخيفة لواقع السياسة الدولية الراهنة، ولا سيما في هذه المنطقة من العالم التي نعيش جراءها أصعب مرحلة من مراحل تاريخنا ولا سيما مع المفرزات المتوحّشة للتحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي على الإنسان والمجتمع والأوطان والأمة أيضاً.
فقد أدى الخلل في علاقات الإنتاج، وفي ملكيته، وتسويقه، وتوزيع عوائده إلى تبنّي سياسات النهب والاحتكار العالمية من قبل القوى الاستعمارية والامبريالية الجديدة ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية مصاصة الدماء.
وكان هذا الخلل هو الذي عبّد الطريق لسيطرة واستبداد وغطرسة الشركات العابرة للقارات، ومتعددة الجنسية، ما فسح المجال لسياسات العولمة أن تنطلق، والأهم من ذلك أن تتطور وتدخل في مسارات أخرى غير الاقتصادية، فلم تعد ساحات السوق ومصادر الطاقة هي الهدف فقط، بل تم الانتقال من الإرهاب الاقتصادي إلى الإرهاب السياسي، ورديفه الاجتماعي والفكري مع دعم عصابات التطرّف والتكفير المسلحة، حتى صارت العصابات الإرهابية المسلحة معولمة أيضاً، وجوّالة وعابرة للحدود تحميها طائرات الأطلسي وتنقلها عبر الدول والقارات.
وآية هذا جميعه يمكن أن تختزل مثالاً في تصريح الإدارة الأمريكية أمس ومفاخرتها بتبنّي الحرب على الليرة السورية المستهدَفة كاستهداف الشعب والجيش على السواء… وما يتصل بهذا من إقرار الكونغرس تشريعات وسياسات تستهدف كل من يسهم أو ينفّذ مشاريع إعادة البناء والإعمار في سورية، والضعط والتهديد بالعقوبات الاقتصادية على كل من يتعامل مع الحكومة السورية، وحرمانها من التكنولوجيا وتقنيات المعلومات ما دامت تقوم بواجبها المعهود في الدفاع عن حقوق المواطن والوطن وقضايا الشعب والأمة، ويزداد هذا الضغط والتهديد مع ازدياد خطوات هزيمة الإرهاب والتطرّف والتكفير.
يُستلهم ما سبق ذكره، من وقائع وحقائق، من الانعطافة المهمة جداً التي سجّلها حديث السيد الرئيس بشار الأسد أول أمس في الملتقى النقابي العمالي الدولي في دمشق، ومما أثاره حديث سيادته من صدى إيجابي متميّز وتفاعلي وتوالدي مع الحضور من بلدان ومنظمات وفاعليات متنوعة عديدة، وتحديداً في الكشف العلمي والواقعي الدقيق عن أسباب الواقع المرير الذي ترزح تحت وطأته قطاعات واسعة من المجتمع الدولي بسبب السياسات اللا إنسانية للقوى المالية الكبرى الطامحة للتحكم بشعوب العالم ودوله وخيراته لتحقيق مصالحها، بغض النظر عن أن شريحة العمال هي المعبّرة عن الهوية الوطنية والقومية لأيّ بلد،
ولربما كانت الفكرة الأهم في حديث الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي هي توضيح انعكاس الأثر السلبي على المستوى الدولي والإنساني لتضاؤل دور القوى المنتجة في صنع القرار – أي قرار – وحتى في الأرباح، وعلى الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وعلى المصالح الحقيقية للشعوب.
فكان هذا الحديث من القواعد الأساسية التي بُني عليها البيان الختامي الإيجابي والمهم للملتقى، وللآراء الموضوعية والواقعية الإيجابية التي عبّر عنها المشاركون في حواراتهم، ومن أهمها: قناعاتهم وعزمهم على العمل لكسر الحصار الاقتصادي على شعب سورية وعمالها، ومواصلة دعم نضالهم الوطني ضد سياسات وانتهاك القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية لحقوق شعب سورية وسيادة واستقلال دولته الوطنية، وعن (اعتزازهم بقيادة السيد الرئيس الذي أضاف كثيراً من الحقائق التي كانت غائبة ومغيّبة بفعل التضليل الإعلامي العالمي ما سيدفعهم إلى العمل إلى التغيير والتأثير الإيجابي في الرأي العام في بلدانهم وأن يكونوا سفراء للحقيقة السوريّة).
د. عبد اللطيف عمران