يدٌ من حديد..!
أن تكون تداعيات ارتفاع سعر الصّرف على السّلع والمواد المستوردة والمنتجة محليّاً؛ محور اجتماع إسعافيّ لوزير التّجارة وحماية المستهلك مع مديري المؤسّسات وفروعها التّابعة للوزارة؛ لمناقشة الإجراءات والآليّات المتّخذة حيالها؛ لأمرٌ يدعو – نظريّاً – إلى الطّمأنينة والتّفاؤل. وأن يُحذّر الوزير من “أنّ المرحلة الرّاهنة لا تحتمل أيّ تساهل، وأنّ التعامل سيكون قاسياً مع أيّ فردٍ فيّ أيّة مؤسّسة يتساهل في أداء واجبه، سواء كان مديراً عامّاً أم موظفاً، والعقوبات ستكون غير مسبوقة، ولن يتمّ الاكتفاء بالإحالة إلى الرّقابة أو الإعفاء، وهذا تحذير شديد اللّهجة للمقصّرين بواجباتهم”. لأمرٌ يقطع الشكّ باليقين بأن لا حاجة – نظريّاً أيضاً – إلى تذكير الوزارة بحجم المسؤوليّة المنوطة بها؛ لجهة تسييل السّلطة الممنوحة لها قانوناً، والملقاة على عاتقها مؤسّساتياً وشعبيّاً.
أمّا عمليّاً وعلى أرض الواقع – وههنا بيت القصيد – فإنّ ثمّة ما لا يُحصى من الوقائعٌ اليوميّة المعيشة؛ تكشف وهم تلطّينا خلف إصبعنا، في وقتٍ عصيبٍ كهذا: نحن أحوج ما نكون فيه إلى تسمية الأشياء بمسميّاتها، ولكن بما لا يُدخلنا في ملهاة البحث عن مشجب لتعليق خطايانا عليه، أو مأساة جلد الذّات؛ بكلّ ما تنطوي عليه من مشروعيّة، يفرضها حجم الفجوة السّحيق بين النّظريّة والتّطبيق في أداء أطقم الرّقابة التّموينيّة المأزومة في كثيرٍ من مفاصلها وأدواتها بذهنيّةٍ مطبوعة على الارتزاق والرّشوة، والتي لطالما تمخّضت عن “حمول كاذبة” تمّت خارج رحم المنطق؛ كاستهداف صغار المخالفين في حلقات المفرّق، والغضّ عن كبارهم في حلقات الجملة أو التّصنيع، وأثبتت فشلها الذّريع، في امتحان ضبط الأسواق ولجم سعير أسعارها- إن لم نقل إنّها باتت شريكاً حقيقياً في فلتانها- بينما ما برحت صُور عجزها عن كبح جماح ضعاف النّفوس المتلاعبين بقوت الشّعب تدليساً، وغشّاً، واحتكاراً؛ أغزر من أن تُحصى! أو أنتجت “أفلاماً محروقة” أتلفتها فاجعة ضوء الحقيقة، تجسّدت – ولا تزال – في كثيرٍ من الإحصائيّات الشّهريّة الممعنة في روتينيّتها وبدائيّة أهدافها، وكذا الهُوّة بين هذه الأطقم؛ وبين جمهورها الواسع العائد من رحلات التّعويل عليها بأذيال الخيبة المغمّسة بالكثير من المرارة والألم.
هوّةٌ؛ تجعل من الضّرورة بمكان إعادة النّظر في هيكلة هذه الأطقم على امتداد الجغرافيا السّورية، قبل تجشيمها عناء حمولاتٍ ذات صبغة جماهيريّة واسعة، لا قدرة لها على تحمّلها، إمّا بسبب من هشاشةٍ ذاتيّة استولدها واقع الانغماس المزمن في مستنقع الفساد في كثيرٍ من أروقتها، أو من حاجةٍ موضوعيّة إلى إعادة تقويمها بما يتواءم وواقع المسؤوليّات الجسام الملقاة على عاتقها في خضمّ هذه الحرب الاقتصاديّة غير المسبوقة التي تشهدها البلاد..!
والحال أنّ الحاجة باتت مُلحّةً إلى الضّرب بيدٍ من حديد على كلّ من تسوّل له نفسه التّلاعب بقوتنا اليومي؛ أو يسيء الأمانة في حراسة طريق “اللّقمة” من قُطّاع طرق الأخلاق والضّمير والمتلاعبين بسعر الصّرف، في هذه المرحلة العصيبة من حرب “اللّقمة”؛ بما هي الأنكى والأخطر في فصول الحرب الشّاملة التي يصطلي السّوريون بنارها منذ تسعة أعوام..!
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com