بيت العنكبوت والنمر من الكرتون !!
د. صابر فلحوط
يتلاشى البعد الزمني في مواقف المناضلين في مواجهة العدو الواحد للقيم الإنسانية وحقوق الشعوب في هويتها وسيادتها وكرامتها..
وهنا يتسع باب الحوار والنقاش حول القولة التوصيفية الشهيرة للمناضل الصيني “ماوتسي تونغ” (إن الامبريالية نمر من كرتون)، وقولة سيد المقاومة “حسن نصر الله” (إن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت)…
وقد أكدت الوقائع أن العدو الصهيوني بدأ بأكبر كذبة في التاريخ، وهي أن فلسطين، هي وطن آبائه وأجداده، كما أنها هدية من (الله) الذي جعلوا منه “تاجر عقارات” وموزع سندات ملكية في خدمة الصهيونية!! وأن مساحة فلسطين المحدودة بين (البحر والنهر) يمكن نفخها وتمديدها لتشمل ما بين – النيل والفرات من الوطن العربي- !!.
وقد تقلّصت هذه المساحة المتخيلة بفعل المقاومة الفلسطينية والرفض الباسل من جانب دول الطوق، والأمة العربية عموماً، ليضطر هذا الكيان المصطنع لإقامة الجدران الشاهقة بينه وبين كل من غزة من جهة، ورام الله من جهة أخرى، ليتقوقع فيما يُشبه “الجيتو” الذي ألفه الصهاينة في الدول التي ولدوا فيها، وعاشوا القرون العديدة في أوروبا شرقها، والغرب.
واليوم وبعد انكسار حدة هجوم الإرهاب على سورية، والذي جاء من أكثر من مئة وثلاثين دولة، والذي أفرغ نواطير النفط بيوت حال الأمة لخدمة هذا الإرهاب، وإنجاح صفقة القرن، جاءت الأحداث الأخيرة، والمتمثّلة في إسقاط الطائرتين الصهيونيتين المسيّرتين اللتين وصلتا إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، والرد الصاعق، والصادق في تحديد زمانه، والمكان في الأرض الفلسطينية المحتلة، ثم إسقاط الطائرة المسيّرة الثالثة فوق أرض الجنوب اللبناني ليشير إلى أن الاشتباك مع العدو لم تهدأ ناره منذ وصول أول صهيوني إلى فلسطين غداة الوعد الذي أطلقه الصهيوني الأكبر “تيودور هرتزل” 1897 في سويسرا، مروراً بوعد بلفور، وسايكس بيكو، وصولاً إلى رض أعصاب الكيان خلال الأيام الأولى من حرب تشرين التحريرية، مروراً بهزائم هذا العدو في لبنان عام 2000 و2006 إلى إسقاط المسيّرات في السماء اللبنانية، وتدمير ناقلة الجنود الصهيونية بمن فيها في أعماق الأرض الفلسطينية المحتلة.
صحيح أنه في أدبيات الموروث العربي أن الفارس كان يضخّم ويكبّر قوة من ينازله في الميدان حتى يكون لمصرعه دوي يستحق الثناء والإكبار للمنتصر الذي تمكّن من الإجهاز عليه، على طريقة عنترة العبسي:
(ومدجج كره الكماة نزاله لا ممعن هرباً ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل ضربة بمثقفٍ صدق القناة مقوَّمِ)
وهذا يعطي لوصف سيد المقاومة للكيان الصهيوني بأنه (أوهن من بيت العنكبوت معناه الأعمق، مع التأكيد أن “السيد” أول من يدرك حقيقة هذا العدو وقوته، وحجم داعميه، خلف البحار، وداخل الديار.. غير أن “السيد” يثق أن هذا العدو عندما يواجه بإرادة عملاقة، وصمود جبار، وتضحيات أسطورية، تصبح تحصيناته أوهن من بيت العناكب، وفولاذه الصلب حطباً في مجامر أشاوس المقاومة..
لقد تغيّر الزمن الذي كان يستطيع فيه الجيش الصهيوني الاستفراد بالجبهات العربية، وذلك بسبب الجديد الطارئ على قواعد الاشتباك، وحيثيات الصراع، وهو محور المقاومة الذي تكوّن في الميدان، واستولى على مجمرة المواجهات العاصفة طوال سنوات تسع مع تسونامي الإرهاب الدولي، الذي أرعب العالم في جهاته الأربع، وقد أصبح تواجده فوق الأرض السورية يحسب بالأيام، وليس بالأسابيع أو الشهور.
ويقيني أن النتائج المدهشة لإسقاط المسيّرات المعادية، والنجاح المبهر لدخول أبطال المقاومة إلى العمق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ببراعة مذهلة طوال أسبوع من المراقبة، والترصد، وإنجاز تدمير ناقلة الجنود الصهاينة يستحق أن تُرفع له القبعات إكباراً وإجلالاً لأمرين هامين: الأول: المصداقية التي تترسخ في الميدان، والتي أعلن عنها سيد المقاومة في قوله البسيط والمعبّر: (انضبوا – قفوا على رجل ونصف – عدّوا على أصابعكم يوم – اثنين – ثلاثة)، فكانت المصداقية المشهودة في عملية الرد داخل فلسطين المحتلة..
والثانية: أنها تؤكد وإلى الأبد بطلان النظرية التعيسة التي عاش في ظلها قطاع من الأشقاء اللبنانيين، وهي (إن لبنان قوي بضعفه، وكفى الله المؤمنين شر القتال)!!، حيث ثبت بالدليل الساطع والقاطع: (إن لبنان قوي بشعبه وجيشه ومقاومته، وتلاحمه المصيري مع الشقيق الأصدق والأوثق سورية العربية غابراً وحاضراً ومستقبلاً).. وإن العدو الصهيوني رغم الإعلام المعولم، واصطفاف المعسكر الامبريالي العالمي، ووكلائه في المنطقة العربية إلى جانبه دعماً وإسناداً لإيقاف مسيرة التاريخ لاستعادة الأمة العربية هويتها القومية ورسالتها الحضارية، فإن حقائق الصراع تؤكد أن الفولاذ الصهيوني قابل للطي والطعج، بل والذوبان، إذا ما توفرت الإرادة الوطنية والقومية المفولذة، والقيادة البارعة في إدارة معركتي السياسة والسلاح، والمقاومة المتحالفة مع أقدارها لانتزاع النصر.