دراساتصحيفة البعث

الصومال في دائرة الصراع القطري- السعودي

علي اليوسف

تحوّل تنافس الهيمنة على العالم الإسلامي بين أنظمة السعودية، والإمارات، وقطر، وتركيا، إلى قيام الجميع بزعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها، وساعدوا -كلّ حسب أجندته- الإرهابيين في سورية، وليبيا، واليمن لتنفيذ تلك الأجندات، ويبدو الآن أن الصومال دخلت باب الاستهداف الخليجي، ما يعني بالضرورة نقل الحروب وصراع الأجندات إلى القرن الإفريقي.
ومنذ الخلاف السعودي- القطري أعلنت مشيخة قطر أنها ستبني ميناءً بحرياً جديداً في الصومال، مقابل اعتراف نظام آل سعود بضرورة أن تتمتّع بعض المناطق في الصومال بالحكم الذاتي والاستقلال عن الحكومة المركزية، وهي خطوة قد تعمّق عدم الاستقرار في البلاد. وعليه دخل آل سعود ومشيخة قطر حرباً دبلوماسية منذ العام الماضي، وفرضت الأولى حظراً على الأخيرة في محاولة لقطع علاقاتها مع الخارج، ما يعني أنه إضافة إلى المواجهات القائمة بين البلدين الخليجيين، أصبح البلدان الآن في صراع آخر على النفوذ، وهذه المرة انتهى في الصومال. فقد اعترف آل سعود بالحكم الذاتي لما يُسمّى “صوماليا لاند”، وهي منطقة صغيرة داخل الصومال، ومقابل ذلك زادت مشيخة قطر من المساعدات المالية والبنية التحتية للحكومة المركزية في الصومال.
في الحقيقة يعود الخلاف بين مشيخة قطر وآل سعود إلى أسباب سياسية بالدرجة الأولى، فمن جهة يتهم النظام السعودي مشيخة قطر بمساعدة ودعم “جماعة الإخوان المسلمين” في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وهذه الجماعة من منظور آل سعود هي منظمة إرهابية، بينما ترى مشيخة قطر أن مملكة آل سعود تحاول انتزاع قيادة العالم الإسلامي عبر الحركة الوهابية المتشددة التي باتت حركة إرهابية متطرفة بعد أحداث 11 أيلول.
كانت مشيخة قطر تدعم رئيس مصر السابق، محمد مرسي، الذي توفي في حزيران 2019 في المحكمة أثناء المحاكمة، وتمّ إغلاق حزب مرسي الذي ينتمي إلى “جماعة الإخوان المسلمين” بعد الانقلاب الذي وقع في تموز 2013 برئاسة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. وفي الوقت نفسه، كانت مشيخة قطر تدعم حركة حماس وتستثمر في غزة. في المقابل حسّن آل سعود علاقاتهم مع الكيان الإسرائيلي في السنوات القليلة الماضية حتى بات التطبيع علنياً، أي أن النظام السعودي يسعى بكل إمكاناته المالية والنفطية للحصول على دعم اللوبي الصهيوني، كما يفعل هذا الأخير في الولايات المتحدة للسيطرة على العالم الإسلامي. لذلك تذرّع النظام السعودي بالخطر الإيراني، واعتبره أكبر تهديد للأمن القومي في المنطقة، بل وأجبرت المملكة بعض الدول التي تحتاج إلى مساعدات مالية من الرياض على معارضة طهران، لكن مشيخة قطر ارتأت أن توسع علاقاتها مع تركيا منافسة السعودية مع الابقاء على علاقة قوية باسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
الآن، أصبحت الصومال مكاناً آخر حيث يتنافس البلدان على زيادة نفوذهما، لكن الواقع أن الصومال، التي عانت من الحرب الأهلية، والتدخل الأجنبي، والكوارث الطبيعية، والمجاعات والجفاف تحتاج إلى مساعدات مالية للتنمية، ومحاربة “جماعة الشباب المتطرفة”، إضافة إلى كل ذلك، هناك منطقتان تتمتعان بالحكم الذاتي داخل البلاد: “صوماليا لاند، وجوبا لاند”، وكلتا المنطقتين، في النهاية، على استعداد لفصل نفسهما عن الحكومة المركزية، وهنا تمتد يد آل سعود لتعزيز النزعة الانفصالية في الصومال عبر دعم تلك الحركات الانفصالية لإفشال مخططات مشيخة قطر التي أعلنت أنها تخطّط لبناء ميناء بحري جديد في هوبيو، وهي المدينة التي يحتمل أن تكون إستراتيجية لقربها من مضيق باب المندب، أحد أهم المعابر البحرية في المنطقة، مع إمكانية الوصول إلى الأسواق الدولية.
وأكثر من ذلك، بعد الإعلان عن مشروع الميناء مباشرة بدأت وسائل إعلام النظام السعودي تتهم مشيخة قطر بتمويل الإرهاب في الصومال وفضح مواردها. ففي بداية تموز الماضي ورد أن الحكومة الصومالية رفضت عرضاً بقيمة 80 مليون دولار من مملكة آل سعود لقطع العلاقات الدبلوماسية مع مشيخة قطر. وأفادت صحيفة “الصومال اليوم” أن هناك ضغطاً على الحكومة الصومالية من قبل السعودية لعكس قرار الصومال بالبقاء محايداً في الحصار الذي تفرضه بعض الحكومات العربية على مشيخة قطر. ورداً على ذلك، وفي أولى الخطوات اعترفت مملكة آل سعود رسمياً بـمنطقة “صوماليا لاند”، وقام رئيس “صوماليا لاند”، موسى بيهي، بزيارة السعودية قبل عيد الأضحى الفائت، واستُقبل استقبالاً رسمياً لأول مرة، حتى أن المملكة السعودية قبلت جواز سفر “صوماليا لاند” بدلاً من جوازات السفر الصومالية.
إن التناحر والتنافس بين الاثنين لاشك أنه سيقود إلى تدمير الصومال البائس كما حصل في سورية واليمن وليبيا، وإذا ما زاد العناد على المنافسة الإيديولوجية فقد تؤدي إلى تفاقم الاستقرار الهش في الصومال، وتحوّل البلاد إلى ساحة للمعارك من جديد.