انغلاق أفق حل أزمة المعلمين يمهّد لاحتجاجات أوسع في الأردن
بدا الانسداد واضحاً، أمس، على أزمة إضراب المعلمين في الأردن، بعد جولات من المحادثات الفاشلة مع الحكومة، وفيما تمسّكت نقابة المعلمين في مطالبها بالاعتذار والعلاوة، تشدّدت الحكومة بدورها، وبدأت تتسرّب أفكار حول احتمالات اللجوء إلى حل النقابة، الأمر الذي سيزيد التعقيد في المشهد لو حصل.
ويقول محللون: إن الإضراب، الذي يشمل نحو مئة ألف معلم ومليوني طالب في المدارس الحكومية، يمكن، إذا لم يتمّ احتواؤه، أن يمثّل مقدمة لحركة احتجاجية أوسع تذكّر بتظاهرات العام الماضي ضد التعديلات الضريبية، التي أدت إلى إقالة الحكومة السابقة.
كما أن طريقة تعامل قوات الأمن مع احتجاجات المعلمين، في وسط عمان الأسبوع الماضي، أثارت حفيظة العديد من الأردنيين، واعتبروها “إساءة” لقيمة المعلم، فيما توسّعت منصات التواصل في التركيز على الرواتب العالية لكبار المسؤولين، الذين يحاولون حرمان صغار المعلمين من تحسين طفيف على مداخيلهم.
ويطالب المعلمون بعلاوة تبلغ نسبتها 50 بالمئة من الراتب، وهو ما ترفضه الحكومة باعتباره يفرض أعباء إضافية على الموازنة العامة بواقع 112 مليون دينار (150 مليون دولار)، وسط موجة سخرية مرّة من النواب والأعيان والوزراء، والمطالبة بتخفيض رواتبهم المرتفعة جداً أو ربطها بالأداء!.
وتقول نقابة المعلمين: إن رواتب أعضائها هي من بين الأدنى في القطاع الحكومي، فيما تصرّ الحكومة على ربط العلاوة بالأداء وصرفها على مدى سنوات، وذلك رغم وجود اتفاق مبدئي منذ 2014 بين وزارة التربية والنقابة على نسبة العلاوة نفسها.
ورفضت نقابة المعلمين الأردنيين تعليق الإضراب الذي بدأ أوائل العام الدراسي الحالي، ويشهد مشاركة واسعة في المدارس الحكومية البالغ عددها أربعة آلاف، وأكدت بعد اجتماع لمجلس النقابة على تمسّكها بحوار “غير مشروط” مع الحكومة، التي ألمح رئيسها عمر الرزاز إلى “إمكانية اتخاذ إجراءات قانونية” لوقف الإضراب، وأضاف: “هناك جانب قانوني، ونحن نؤمن بالدولة القانونية. وإذا هم مصرّون على الموضوع فلكل حادث حديث. المنطقي أن تأتي النقابة ونبدأ من حيث انتهينا”، حسب تعبيره، ووصف أسلوب النقابة بأنه “طريقة خطرة على المجتمع”، وأضاف: إنه “لن ينتج عنها شيء”، فيما بدا غريباً أن مجلس النواب لم يتقدّم بأي مبادرة لمعالجة الأزمة.
ويعيش الأردن وضعاً اقتصادياً صعباً، وتعاني ماليته العامة من عجز مزمن مع ديون تقارب 40 مليار دولار، أي ما نسبته 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
في موازاة ذلك، يسود احتقان اجتماعي بين الأردنيين بعد سلسلة من قرارات رفع الأسعار وإزالة الدعم وفرض ضرائب جديدة خلال السنتين الأخيرتين.
وفي العام الماضي، اندلعت مظاهرات في وسط عمان هي الأكبر منذ سنوات احتجاجاً على تعديل قانون ضريبة الدخل، وانفضت بقرار إقالة حكومة هاني الملقي، وتكليف الرزاز بتشكيل حكومة جديدة.
وأبدى معلقون على وسائل التواصل الاجتماعي قلقهم من توسّع احتجاجات المعلمين لتشمل قطاعات أخرى، أو تتحوّل إلى احتجاجات سياسية، مثلما حدث في مظاهرات العام الماضي.
وقبل أسبوع، تظاهر الآلاف من المعلمين في عمان للمطالبة بالعلاوة، لكن قوات الأمن فرّقت المظاهرة بالقوة، وبثت مواقع إخبارية محلية صوراً لإطلاق الغاز المسيل للدموع على المعلمين المحتجين في أكثر من موقع في العاصمة.
وكانت هذه المشاهد صادمة لكثير من الأردنيين، الذين كانوا يتوقّعون معاملة حسنة من قوات الأمن، خصوصاً مع المعلمين، واستمراراً لسياسة أمنية استخدمتها الحكومة سابقاً في مواكبة المظاهرات دون التدخّل بها، بل أحياناً توزيع الماء والعصير على المحتجين. وذكر متابعون أن أصداء إضراب المعلمين تتسع يوماً بعد يوم، وذلك بسبب حجم تأثيرها في هذا البلد، الذي يغطي القطاع التربوي نحو ثلث سكانه، فيما بدأت تصدر عن معلمي المحافظات بيانات تتوعّد أعضاء مجلس النواب في الانتخابات المقبلة، وهي بيانات تربكهم بسبب العدد الضخم للمعلمين في المجتمع، حيث يزيد عددهم عن 120 ألف معلم على الأقل.