الكتب.. والفرح العميم!
حسن حميد
أعاود الكتابة عن معرض الكتاب الدولي المقام في مكتبة الأسد الوطنية لأن قلبي ممتلئ بالمحبة والفخر والاعتزاز، فهذه المساءات الثقافية المحتشدة بأهل المعرفة، والسؤال، والبحث، والتلاقي والحوار لم أرها على ما هي عليه إلا في دمشق الزينة. أُسر مترادفة تترى بصغارها وكبارها جاءت بتمام القيافية والحضور البهي من أجل مؤاخاة الكتاب، ورصد الجديد في جميع حقول المعرفة، في نشور لا يوازيه جمالاً سوى جمال البراري التي تتزين بأشجارها وينابيعها وغدرانها وما تطلقه النايات من شجو، وما تحتضنه رحابة السماء من طيور وأنسام وغيوم وأحلام جائلات.
عادة معارض الكتب تكون للنخب الثقافية التي تتابع أحدث الإصدارات التي تجيء بالروايات والقصائد والمسرحيات والدراسات والنظريات الجديدة والمعاجم والإحصاءات الخاصة بكل حقل من حقول المعرفة، ولكن أهل الثقافة وروادها ومحبيها يكسرون هذه العادة، أو قل يضيفون إليها المضايفات التي تشبه المضايفات التي تختطها أيدي الأنهار حين تبني المروج في ضفافها، وتستنبت المدهشات من النباتات والأشجار، وحين تبني القرى وتُعددها، فتصير الأنهار أشبه بالموسيقا التي تتلوى جذلاً وهي تمر بما أخصبته مرور العاشق الوله، ها هي الأسر السورية تمشي وأسئلتها المعرفية تمشي محدّثةً عن الكتب وما اشتملت عليه من آداب، وفكر، وفنون، وترنُّ في الأسماع مثل أجراس تهمهم لتفرح وتُسرّ باجتماع الناس من حولها، ها هم يجولون كيما يستحوذوا على النفيس منها، وقد وصلت بكامل روائها إلى أجنحة المعرض من البلاد العربية والأجنبية والصديقة باللغة العربية وباللغات العالمية، هنا ترى العيون اليواقظ في فضاء مكتبة الأسد الوطنية وقد غدت طيوراً محوّمة في بستان المعرفة، ويبدو الكبار والصغار، في تداخل عجيب للأسئلة والحوارات والنقاشات أمام آلات التسجيل، وكاميرات التلفزة، فلا يفتكُ المرء نفسه من أسر جمالية المشهد وهي تتعالى صعوداً على أدراج المحبة واللطف نحو عالم المعرفة الطروب.
أمام كل جناح من أجنحة المعرض تظاهرة إعلامية، وشغب جميل للأسئلة، وجولان ماتع للإجابات، ونداوة آسرة عرفتها قبلاً وتعرفها مساءات البلاد السورية في مواسمها المنتظرة، هنا حفلات توقيع الكتب، ولأجيال أدبية متفاوتة في السن، والتجربة، والحضور، والعطاء، اجتذبت إليها الأصدقاء والمعارف وأهل التعبير من إعلاميين، وأدباء، ومثقفين، وقراء امتلكوا عيوناً مشبعة بالحساسية النادرة، يبدون في اجتماعهم وجمهرتهم كأنهم أعشاش طيور الحمام في علوة راهجة..
وأمام كل جناح من أجنحة المعرض يشعر المرء بالبهجة التي تدخل القلب مباشرة، وهو يرى لقاءات الأصدقاء، وحرارة العناقات الطويلة، والأكف التي تربت على الأكتاف وداعةً وطيبةً وفرحاً؛ أدباء جاؤوا إلى دمشق من البلاد العربية، وأدباء سوريون عادوا من أمكنة عملهم في البلاد العربية والأجنبية فجعلوا اللقاءات أكثر من مودة، وأبعد من محبة عتيقة، والأثمن والأهم هما الكتب الهدايا المحمولة على أكف من الرضا التي جاءت من الأدباء العرب في البلاد العربية، وبلاد المهاجرة معنونةً لأدباء بأسمائهم.. والتي تقول عبر رسائل الشوق لا للقطيعة، ولا للحدود، ولا لاستدارة الظهور، ولا للعتب الجميل، رسائل تمطر في القلب محبةً وقد توجت بكلمات الإهداء النبيلة الصادقة.
والأكثر سعادة لأهل القراءة والأدب والفنون والمهتمين بالترجمة هذا الرفد الثقافي الهائل الذي جاءت به دور النشر، ومراكز الأبحاث، والمؤسسات الثقافية وبلغات عدة، لتصير بين أيدي المثقفين والعارفين بقيمة الكتب والتجارب الأدبية والفكرية رصيداً للأعوام القادمة، وبهذا فإن معرض دمشق الدولي للكتاب هو حقّاً دنيا من الغايات والأمنيات.. تكاد تجعل من الأحلام العواصي وقائع محسوسة وهي تدني الكتب وتقدمها لطلاّبها من جهة، وهي تملأ النفوس التي حباها الله بعشق الكتب والمعرفة.. بالفرح العميم من جهة أخرى!
Hasanhamid55@yahoo.com