في قراءة نقابية… تحفظات عمالية على الأداء الحكومي
دمشق – بشير فرزان
لم تتبدل المواقف النقابية حيال السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة دون أي عائدية فعلية على أرض الواقع، ويبدو أن متوالية الأرقام التي يتم تكرارها ليست موجودة إلا في التقارير أو في الواقع الافتراضي الذي يبني نتائجه وإنجازاته على أنقاض الحياة المعيشية بشكل سهل تسلل الخيبة والانكسار إلى الشارع السوري من وعود الحكومة المتكررة بالإصلاح ومحاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وطبعاً التقرير الاقتصادي لمجلس الاتحاد العام في دورته الرابعة عشرة قرأ ببساطة الواقع وتداعياته دون أي رتوش أو عمليات تجميل، وسمى الأشياء بمسمياتها موضحاً الانعكاسات السلبية للظروف السائدة في مختلف الأصعدة على حياة المواطن السوري من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية، إضافة إلى الجشع والنهب الذي يمارسه بعض التجار والفاسدين لسرقة لقمة الشعب والتحكم بزيادة الأسعار وتدني قيمة الليرة السورية أمام العملات الأخرى إلى مستويات لا سابق لها.
بشكل متكرر
الاتحاد العام طالب بشكل متكرر الحكومة والجهات المسؤولة بالإسراع باتخاذ خطوات جدية وحازمة لمواجهة الأزمة الاقتصادية والوضع المزري الذي تعيشه الطبقة العاملة، حيث أكد أنه بات من الضروري إعادة النظر بشكل فعلي وجدي بمستوى دخل المواطن مقارنة مع المتطلبات الأساسية لحياة الأسرة السورية، فمن غير المقبول والمعقول أن يكون متوسط دخل الأسرة 40/50 ألف ليرة، في حين تحتاج الأسرة بأدنى الحدود إلى ما يزيد على 150 ألف ليرة لتأمين متطلبات المعيشة الضرورية.
وطالب التقرير بانتهاج سياسات جديدة وترشيد الاستهلاك بما يساعد على دفع عجلة الإنتاج وزيادته وتحسينه، وخلق فرص عمل جديدة، والنهوض بالاقتصاد الوطني، ومحاربة التهرب الضريبي الذي يفوّت على خزينة الدولة مليارات الليرات.
المزيد من التأجيل
ورأى التقرير أنه لم يعد القطاع العام الاقتصادي والصناعي يحتمل المزيد من التأجيل والتسويف للنهوض بواقعه المزري؛ فقد بات من الضروري جداً معالجة مشاكله وهمومه بطريقة جدية نظراً لأنه يشكل قاطرة النمو الاقتصادي الوطني الأساسية، وأهم مشاكل هذا القطاع هي تدني الرواتب والأجور التي أدت إلى هجرة وتسرب الأيدي العاملة وخصوصاً الفنية والخبيرة من المؤسسات والشركات العامة إلى القطاع الخاص، وإلى خارج حدود البلاد، كذلك يجب زيادة التعويضات التي تمنح للعاملين في القطاع العام كالوجبة الغذائية والعمل الإضافي، وتعويض طبيعة العمل والطبابة واللباس بشكل يتناسب مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام لمتطلبات حياة العامل الكريمة.
ركيزة أساسية
واستشهد التقرير بواقع قطاع الغزل والنسيج الذي يعد ركيزة أساسية ومهمة قام عليها الاقتصاد الوطني، وقد عانى بشكل كبير من تسرب الأيدي العاملة الفنية والخبيرة على خارج المؤسسات والشركات العامة بسبب تدني الرواتب والأجور والتعويضات التي تقدم للعامل إلى مستويات غير مقبولة، حيث يدفع القطاع الخاص أضعاف الراتب الذي تدفعه الدولة، كذلك يعاني من قدم الآلات ونقص القطع التبديلية، وتدني الخدمات والتعويضات التي تقدم للعاملين.
ولفت التقرير إلى أن الاتحاد العام لنقابات العمال قام بإعداد مذكرة إلى رئاسة مجلس الوزراء بين فيها واقع قطاع الغزل والنسيج والصعوبات التي يعاني منها والمقترحات اللازمة لحل مشاكل هذه القطاع، وكذلك قطاع صناعة الإسمنت حيث يعاني من تدهور البنية التحتية للمعامل والشركات وزيادة الهدر في المواد الأولية، كما حدث في شركتي إسمنت عدرا وشركة إسمنت طرطوس حيث ازداد الهدر للمواد الأولية كمادة الكلكنر، وتأكل في بنية الأفران، وتطالب كلتا الشركتين بتعويضات خسائر المواد الأولية من مجموعة شركة فرعون المسؤولة قانونياً عن تشغيل الشركتين وترميمهما، ولم تقم بتنفيذ البنود المتفق عليها من حيث الترميم والصيانة وتقديم الحلول المناسبة ما زاد في استهلاك المواد الأولية وتشكل خسائر بمليارات الليرات حيث بلغت الخسائر أكثر من خمسة مليارات ونصف المليار ليرة في شركة إسمنت عدرا، وأكثر من 14 مليار ليرة سورية في شركة إسمنت طرطوس.
مذكرات ومراسلات
رغم أن الاتحاد العام لنقابات العمال قام بمخاطبة رئاسة مجلس الوزراء بالعديد من المذكرات التي تبين الآثار السلبية للحرب العدوانية على الشعب السوري، إضافة إلى شرح الواقع المعيشي الصعب الذي يعانيه بفعل القرارات الخاطئة التي تم اتخاذها ومنعكساتها على الواقع المعيشي، مثل رفع أسعار المحروقات “الغاز” وغيرها من المواد التي أدت إلى زيادة معاناة الشريحة الأوسع من المجتمع، وارتفاع أسعار المواد الغذائية ومتطلبات إنتاجها بشكل عام، إلا أن ذلك لم يبدل من واقع الحال الاقتصادي المعيشي؛ فقد استمرت الجهات المعنية بالإطباق والإجهاز على حياة المواطن دون الالتفات إلى مطالبه، أو محاولة تعديل بعض القرارات وتصحيح المسار بما يحقق الانتعاش المعيشي المطلوب، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أخفقت بتنفيذ ما وعدت به من إجراءات لتحسين الحالة المعيشية.
ونتيجة هذا التراجع في الأداء، بقيت المشاكل والصعوبات التي يعاني منها العمال في المؤسسات والشركات العامة على حالها، وخاصة لجهة ضعف وتدني الرواتب والأجور بشكل كبير، والحوافز الإنتاجية وتعويض طبيعة العمل والعمل الإضافي والوجبة الغذائية أو ما تسمى متممات الراتب، إلى جانب تسرب ونقص الأيدي العاملة والخبيرة في معظم مؤسسات وشركات القطاع العام، وقدم الآليات والتجهيزات في المصانع وندرة القطع التبديلية.
باختصار، ليست المسألة مسألة رابح أو خاسر، بل هي قضية واقع يحتاج إلى إجراءات سريعة وتحرك ممنهج لانتشال الواقع الاقتصادي المعيشي من الحاجة التي باتت السمة الغالبة في حياة الناس بكل فئاتها وشرائحها، فهل تتوحد الجهود لتحقيق ذلك..؟! أم تستمر المناوشات على هوامش الحياة المعيشية فتكون الخسائر شاملة وكبيرة على المجتمع السوري بأكمله؟!