مُروءة
عبد الكريم النّاعم
المُروءة، لغة، هي: النّخوة – كمال الرجوليّة- ويُقال (مُرُوَّة)
في كلّ الأزمنة، الأخذ بمبدأ “المروءة” هو من مكارم الأخلاق، ولكنّه في بعضها يكاد يكون مطلَباً لما يمكن أن يقدّم من خير، يُفترَض تقديمه، وفي حين تحقّق هذه الأمثولة، في زمانها، تبدو واجباً، وقد تصل عند البعض حدّ التكليف، ونحن جميعا نعرف أنّ الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، هربا من اضطهاد قريش، لاقوا من أهلهم، ومُضيفيهم في يثرب مايزال مأثرة أبد الدّهر، فبعض هؤلاء مَن كان له داران تنازل عن واحدة لأخيه المُهاجر، وما أعتقد أنّ الغاية من هذا الكلام هي المُفاخرّة الفجّة، بل هي علامة في الإيثار، حين يكون الإيثار مادة من مواد حفظ الحياة، والمجتمع، وتأسيسا لقادمات الأيام.
لعلّ بيننا مَن يزعم أنّنا أمّة فريدة في ذلك!، فيباهي، وقد يتنافخ، حتى وإنْ لم يكن يحمل شيئا من بريق المروءة، لهذا، ولأمثاله، أقول لسنا وحيدين في ذلك، ومّن يطّلع على عادات الشعوب، وتقاليدها، وبعض تاريخها، يجد أنّ لديهم مثل مالدينا، ولا يقلّون في ذلك عنّا، لاسيّما حين تتطابق المعطيات الإنتاجية الماديّة، والفكريّة. في السياق المُراد، قد يكون من المهمّ التذكير بحديث رسول الرّحمة (ص) الذي جاء فيه: “ما آمنَ بي مَن بات شبعان وجارُه جائع”، تُرى لم تصوّرنا أنّنا نقوم بعمليّة إحصائيّة، فيما يتعلّق بتطبيق هذا الحديث كم سيكون عدد المؤمنين؟!
في السياق أيضا يُروى عن أحد الأئمّة أنّه قال لأحد أتباعه من الأغنياء: “كيف بِرّك بإخوانك”؟
فقال له: “خير برّ يامولاي، إنْ سألوني أعطيتهم”، فأجابه بغضب:” أوّلا تعطيهم حتى يسألوك؟! لقد أذللتهم..”، بمعنى أن العطاء يكون ابتداء، أي دون أن تُضطرّ صاحب الحاجة لبسط يد المسألة، ونحن مانزال في خضمّ معركة لئيمة، قاسية، ويسعى الأعداء الذين أوقدوا نارها إلى جعلها مستمرّة ومتناسلة، وهذا يوجب على الذين امتلكوا المال، بفضل خيرات هذا البلد، واجتنوها وهم فيه يعملون تحت سمائه أن يكون في أموالهم حقّ المروءة الوطنيّة للذين لولا تضحياتهم لأصبحنا لاجئين مطرودين، مُدَمَّرَة ديارنا، ونحن أغراب فيها، وهم بفضل ما بذله المضحّون يستمرّون في تكديس أموالهم وكنزها، وعلى المقلب الآخر أرامل، وأيتام، ومهجَّرون، ومُعاقون، فأيّ لقمة سائغة يمكن أن تمرّ في تلك الحلاقيم إلاّ إذا انعدمت المروءة؟!
تروي كتب التّراث أنّ الأحنف بن قيس كَثُرت عليه الديّات، فلم يجدْها حيث هو، فخرج إلى جهة يطلب فيها بُغيته، فسأل عن المقصود فأُرْشِد إلى قّبّة، فإذا شيخ جالس بفِنائها، يقول صاحب الرّواية “فسلّمتُ عليه، وانتسبتُ له، فقال: “مافعلَ رسول الله ( ص)؟ فقلتُ: “توفّي”، قال: “مافعل عمر بن الخطّاب الذي كان يحفظ العرب ويحوطها” فقلتُ: “مات رحمه الله”، قال: “فأيّ خير في حاضرتكم بعدهما”؟ قال فذكرتُ له الدّيّات التي لزمتْنا، فقال لي: “أقمْ”، فإذا راعٍ قد أراح ألف بعير، فقال: “خذها”، ثمّ أراح عليه آخر مثلها، فقال “خُذها”، فقلت: “لا أحتاج إليها”، قال: “فانصرفت بالألف عنه، وَواللّه ماأدري مَن هو إلى السّاعة”..
أيّها المتنعّمون، بين حلال وحرام، الرّافلون بما جنيتموه من خيرات هذا البلد، هلاّ تمثّلتم بقصّة ذلك الأعرابيّ؟!! إنّ ماأنتم فيه من بحبوحة هو بفضل مَن استشهد، وأعيق، وترك صغاراً وأرملة، فهل من متّعظ؟!!
في البال مقولة ابن الخطاب(ر)، حين وجد حوله أثرياء فاحشي الثّراء: “أكاد آخذ من أموال الأغنياء ماأسدّ به حاجة الفقراء”…
aaalnaem@gmail.com