دمشق حلب… طريق محبة الحياة
يعكس فيلم “دمشق- حلب”،الذي عُرض ضمن الفعاليات المرافقة لمعرض الكتاب، حالة السوريين عن طريق مجموعة شخصيات تجمعهم حافلة لتقلّهم من دمشق إلى حلب، وكان لكلٍّ منهم هدفه في الرحلة، أشغاله، آماله، حياته، تصرفاته وشخصيته التي تتعاكس كما كل الناس مع غيرها.
يطرح الفيلم حدوتة مليئة بالإنسانية متمثلةً بشخصية عيسى عبد الله (دريد لحام) المذيع الذي قضى عمره في إذاعة صوت الشعب ليعود إليها كلما ضج الحنين في روحه إلى أيام كان لها بهاؤها. يعاني “عيسى” وحدة قاتلة فلم يبقَ مِمّن يحبهم أحد، على الأغلب اختفوا مع هذه الحرب المجنونة، لذا يقرر الذهاب لزيارة ابنته “دينا” “كنده حنا” التي لم يرها منذ مدة وتعيش في حلب مع ولديها، ولا تعلم شيئاً عن زوجها الذي ذهب مع نيران هذه الحرب إلى المجهول، فيعقد العزم للذهاب إليها بعد تحرير حلب، في هذه الرحلة يقدم الكاتب “تليد الخطيب” حدوتة تختصر ما مر ويمر به السوريون، فيعكس معتقدات وأفكار الكثير من الناس، وتمر المواقف ضمن قالب كوميدي نوعاً ما، ليكون لطيفاً وقريباً من قلوب الناس ويخفف وطأة المرارة التي يعاني منها الأغلبية. في الحافلة حيث يجتمع الماضي بالحاضر عبر جيلين مختلفين في التفكير والعادات والسلوك والحب أيضاً، ليظهر على طريق السفر جوهر الناس ومعدنها، قيم الأخلاق النبيلة، والتعاطف المزروع في وجدانهم، عيسى الأب والمثقف والصديق، “رفاه- صباح الجزائري” السيدة الأنيقة مريضة السرطان التي تحمل أصيص وردة وكفنها كي تموت وتُدفن في حلب، “جلال- عبد المنعم عمايري” المذيع الوسيم الذي يعاكس الفتيات، “اعتزاز- نظلي الرواس” الفتاة المُحبة لالتقاط الصور ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل في الهلال الأحمر وتساعد أطفال التوحد، المغنية “لورا- نور رافع” التي تصر للذهاب بالرغم من إلغاء الحفل في مدينة حلب مع عدد من أعضاء الفرقة، “علاء قاسم” معلم الأركيلة الذي يتصرف وكأنه من رجال الأمن، والرجل الذي فقد ساقه- “محمود الجمعات” ليتبين أنه كان ضابطاً في الجيش السوري والعروسان اللذان تأخرا عن حفل زفافهما. هذه الحافلة المحملة بأنماط متعددة من أطياف الشعب السوري عبروا من خلال مواقف متعددة مروا بها عن الإنسان السوري المحب لأخيه، ورغم كل الظروف السيئة والحرب الظالمة، إلا أننا بقينا متمسكين بالأخلاق النبيلة، وأن الحب والخير يتغلبان على كل الصعوبات.
مشكلة “دمشق حلب” أن حكايته بدت متقطعة، كون الجزء الأول منه غير مترابط مع رحلة الطريق، وكأنه مقطع لقصة أخرى، حيث شهدنا فيه تفجير قصر العدل الذي ذهب ضحيته صديقي “عيسى” والشاهدين على زفاف ابنة صديقه (ربا الحلبي) فماتوا وهُم بانتظاره في قاعة المحكمة، ليتحول العرس إلى مأتم.
ينتهي الفيلم مع وصول “لحام” إلى مدينة حلب وتحديداً المنطقة المغلقة بسبب وجود الألغام فيها، يقف المشاهد مترقباً، هل سيكون الموت مصيره؟ هل سينتهي به المآل كما طال العديد من السوريين؟، تقف ابنته على الطرف الآخر والخوف يسيطر عليها تنتظره وهو يجازف بحياته للقائها وضمها، يمشي بحذر مردداً أغنية “لولولو لولالي الله محيي شوراعنا” ليصل إلى ابنته ويعانقها، في هذا المشهد الأخير تتضح رمزية الألغام التي تزرع الخوف في قلوب الناس وتوقفهم عن متابعة حياتهم، وهنا تتركز مقولة الفيلم في مواجهة الخوف وحب الحياة على اختلاف ألوانها.
عُلا أحمد