الإرهاب والفقر والتفكك الأسري وضعف تطبيق التشريعات وراء تفاقم عمالة الأطفال
ريف دمشق – عبد الرحمن جاويش
بدت ظاهرة عمالة الأطفال خلال سنوات الحرب تزداد بشكل كبير عما كانت عليه سابقاً، فبتنا نرى في كل شارع أو حي أطفالاً يمارسون أعمالاً مختلفة بهدف كسب المال ربما لمساعدة أسرهم في مصروفها بعدما ضاقت الحياة ذرعاً بهم، بينما البعض الآخر من كان حظه الأكثر سوءاً وبقي في أماكن وجود الإرهابيين، وكتب له أن يسمع ويرى وربما أجبرته تلك التنظيمات على حمل السلاح ومشاركتها في جرائمها الإرهابية؛ ما أثر سلباً في حياتهم الطفولية، كالذي حدث مع أحد الأطفال الذي أصيب بحالة عجز، حيث فقد النطق نتيجة الخوف الشديد من جراء مشاهدته أعمال العنف بأم العين في إحدى مناطق وجود الإرهابيين التي كان فيها قبل تمكنه وعائلته من الخروج منها، وآخر كان يحصل على المراتب الأولى في مدرسته، لم يعد في مقدوره الآن الذهاب إليها كغيره من أقرانه.
وفي جولة ميدانية رصدت حالات بعض الأطفال الذين يعملون في سن مبكرة، وما الأسباب والدوافع لذلك، وأيضاً الانعكاسات النفسية والاجتماعية عليهم، وأهم الإجراءات المتخذة من قبل مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بريف دمشق في هذا المضمار.
طفولة مسلوبة
طفلة ذات الأعوام السبعة، تجوب شوارع ريف دمشق متنقلة بين بلودان ومضايا تبيع علب محارم صغيرة، أخبرتنا أنها لم تسجل في الصف الأول من التعليم الأساسي، ولم يتسنَّ لها الذهاب للمدرسة كغيرها من الأطفال، وأنها وأخاها يعملان طوال النهار بعد أن أرسلتهما أمهما للعمل لإحضار المال. بينما طفل آخر ابن الرابعة عشرة من عمره يعمل في محل لتصليح السيارات بعدد ساعات طويلة -حسب قوله- مقابل أجرة 3 آلاف ليرة أسبوعياً، إضافة إلى الشتائم التي يسمعها من رب العمل بين الفينة والأخرى، يتابع أنه لم يتمكن من متابعة دراسته، فهو وأسرته بأمس الحاجة للعمل؛ ما يجعله يتحمل كل تلك الضغوطات التي تمارس بحقه.
قانونياً
مديرة الشؤون الاجتماعية بريف دمشق فاطمة رشيد أكدت أن هناك مراكز معنية بمعالجة حالات عمل الأطفال، وأن قانون العمل رقم 17 لعام 2010 يمنع تشغيل الأطفال؛ إذ تنص المادة 113: يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي وإتمام سن الثامنة عشرة من عمره، إلى أن عامل الرصد يقع على وزارة العمل ومديرياتها في المحافظة من خلال الجولات التفتيشية على المنشآت والمعامل، أو من خلال الشكاوي، كما يعاقب قانون العقوبات السوري في المادة رقم 756 بالحبس وبالغرامة كل من يخالف الأنظمة أو القرارات. وهناك فرص عمل للمعاقين للخريجين وغيرهم، حيث طلبت الوزارة أسماء المرشحين لفرص العمل لتشغيلهم.
وتقول رشيد إنه نتيجة الأحداث الراهنة تغيرت ظروف وبنية الأسرة السورية، وأصبح هناك ما يسمى الطفل المعيل لأسرته، مشيرة إلى أن أهم أسباب ظاهرة عمالة الأطفال الفقر والتفكك الأسري، وكذلك غياب رب الأسرة أو المعيل الأساس لها لسبب أو لآخر؛ لذلك لا نستطيع أن نضع القيود الكبيرة على عمالة الأطفال، بل نعمل على تمكين الطفل بما يتناسب مع قدراته الجسدية والعقلية؛ فعمالة الأطفال مترافقة مع الضغط المعيشي للأسرة حيث تركت بعض الأسر أماكن استقرارها، وبعضها الآخر هاجر وتفكك، إذاً تلك العوامل مجتمعة أدت إلى عمالة الأطفال، موضحة أنّ المشكلة الأهم تكمن بنوعية العمل الذي يمارسه الطفل، من هنا تجب حماية الطفل من العمالة السيئة خاصة ممن هم تحت سن 15 سنة، أي ضمن سن التعليم الإلزامي، فعندما يدخل هؤلاء الأطفال إلى سوق العمل مبكراً، وحين يبلغ سن 25 من عمره سيؤدي ذلك حتماً إلى خلق جيل غير متعلم أو مدرب.
النظرية الاقتصادية
خبير اقتصادي في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق أوضح أن النظرية الاقتصادية بالنسبة لعمل الأطفال تقول: إن اتجاه مصدر الدخل ضمن الأسرة يحدد عدد الأطفال الذين تنجبهم الأسرة، وطبيعة الأنشطة التي يقومون بها، فهناك اتجاهان؛ الأول عمل الآباء تجاه الأسرة، والآخر عمل الأبناء والآباء تجاه الأسرة. مشيراً إلى أنّ دخول الأطفال إلى سوق العمل في البلدان النامية سهل جداً، حيث يصبح الطفل مصدر دخل الأسرة بسبب سهولة مزاولة عمله من قبل أصحاب العمل نتيجة تدني أجورهم.
وأشار إلى أنه في فترة الأزمات تقل فرص العمل لدى الجميع؛ فقد يتوفى بعض العاملين، والبعض الآخر يترك العمل نتيجة إصابة ما أو إغلاق المنشأة التي كان يعمل فيها، من جهة أخرى تزداد تكاليف المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار لذلك تعتمد الأسرة على الطفل بسبب الاعتياد والاستسهال كبيعه علب المحارم مثلاً، لكن ما نلاحظه أنه وبعد تحسن الوضع المعيشي للأسرة فإنها لا تتخلى عن عمل طفلها في كثير من الأحيان.
ليست في مستوى واحد
ويوضح رأي آخر أن العمالة ليست على مستوى واحد في كل المحافظات، وليست بحجم الضرر نفسه، فمثلاً بلدة الصبورة بريف دمشق تعد ضمن المناطق الكثيفة من الناحية السكانية؛ لذلك فإن نسبة عمالة الأطفال محدودة حيث تنحصر في التسول، أما بالنسبة للمناطق الأقل سكناً فهي تعد ظاهرة خطيرة حيث تعمل بعض الأسر على تجنيد الأطفال واستغلالهم في أعمال التسول وغيرها، مبيناً أن المسألة الأكثر خطورة تكمن في مناطق اللجوء حيث يتم استغلال الطفل في الأعمال المجهدة وغير المناسبة وبأجور متدنية، مضيفاً أن الظروف المصاحبة لسوء الحال العنف والتحرش الجنسي واللفظي من قبل رب العمل التي تؤثر سلباً في شخصية الطفل مستقبلاً؛ فقد يصبح أقرب للانحراف السلوكي حيث تؤثر هذه العملية في شخصيته بالدرجة الأولى، ومن ثَم في أسرته ومجتمعه كله.
انعكاسات نفسية
وبين الدكتور رامي اللحام مختص الطب النفسي الانعكاسات النفسية لعمالة الأطفال ولاسيما الموجودين في مناطق اللجوء ويمارسون أعمالاً لا تناسب طفولتهم؛ لذلك لا يمكن لهذا الطفل في المستقبل أن يكون طفلاً مستقراً أو ناضجاً بسبب عدم وجود أصول التربية الصحيحة، فهو يفتقد وجود بيئة آمنة ومسالمة له، من هنا نقول إن الطفل الموجود في المناطق الأكثر لجوءاً يتربى على مقومات القوة والأذى، لا على القيم الإنسانية ليفقد بذلك الأسرة المدرسة، ويجد نفسه قادراً ومستعداً لأن يفعل ما يريد، مؤكداً أن الأطفال تابع سهل ممكن استخدامهم بطرق مختلفة، كما أشار إلى الأسباب التي تساعد على وجود عمالة الأطفال في سورية المتمثلة بضعف التشريعات والقوانين الناظمة لعمل الأطفال أو عدم تطبيقها بشكل صحيح، مضيفاً أنّ الطفل مشروع استثمار، فالذي يتلقى منهم تعليمه بشكل طبيعي في المدرسة والأسرة ويتربى بطرق صحيحة لحين يكبر فإنه بذلك يدخل سوق العمل بشكل جيد، بينما الطفل الذي يتربى على مبادئ وطرق خاطئة حتماً سيكون فاشلاً في المستقبل، وتكون هناك ردود أفعال نفسية وجسدية وخسارة اقتصادية أيضاً؛ لأن الأسرة والدولة تعلم الطفل وتنفق عليه لكنه لا يعطي النتائج المرجوة منه، إذاً بالمعنى الاقتصادي أي إصابة نفسية أو جسدية تعوق دخول الطفل للعمل مستقبلاً بشكله الصحيح يعد خسارة اقتصادية للأسرة والدولة بشكل عام.
معالجة الفقر
وتعزو مديرة الشؤون الاجتماعية السبب الأساس لعمالة الطفل للفقر والتفكك الأسري حيث بدأت الوزارة بالعمل على دراسة حالة الأسرة والتفكير بالبحث عن فرصة عمل للأم مثلاً؛ لكي تمنع طفلها من العمل وهنا العمالة تشمل الذكور والإناث، لافتة إلى أن الوزارة لديها قوى فاعلة لمعالجة حالات الفقر، أهمها الجمعيات الخيرية أو الأهلية التي هي ذراع الوزارة لتقديم شريك، وأيضاً لتقديم التدريب وفرصة العمل. حالياً هناك مشروع مع غرفة صناعة دمشق أبدت الغرفة خلاله رغبتها باستقبال طلبات العمل بهدف إيجاد فرص عمل لمعيل الأسرة من الكبار عند الصناعيين، وقد ركزت الوزارة في برنامجها على النساء، وهنا الحديث عن فرص عمل بالقطاع الخاص وليس العام ولا سيما المشاريع الصغيرة والمعول عليها كثيراً في الفترات القادمة؛ فهي أفضل من تقدم الاستقرار الاقتصادي لأي بلد، إضافة إلى وجود جهات داعمة تضع استراتيجيات لدعم تلك المشاريع المتناهية الصغر، وهناك أيضاً الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية والذي سيكون مركزاً لدعم التدريب والمشاريع الصغيرة.