ضعوا حداً للتشهير..!
لا ننكر بداية أن المال العام هو مال الشعب، وأن وجوب الحفاظ عليه ينطلق من كون المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة..!
وإذا ما حاولنا تناول ما أثير مؤخراً حول قرارات الحجز الاحتياطي لعدد من موظفي وزارة التربية، وما رافقها من صخب أجج الرأي العام إثر تداول أخبار غير مؤكدة تدعي تورط عدد من رجال الأعمال في قضية فساد بأرقام فلكية… فنشير أولاً إلى أن مسألة الحجز الاحتياطي بشكل عام لا تزال من المسائل المثيرة للجدل، ولاسيما لجهة التشهير بمن يطاله هذا الحجز، رغم عدم إحالة القضية إلى القضاء للبت بها..!
ونشير ثانياً إلى أنه سبق وتطرقنا إلى حدة التشهير التي تزداد طرداً بالتوازي مع اتساع دائرة الإعلام الإلكتروني، والانتشار غير المضبوط لمواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت تجد بمثل هذه الأخبار مادة دسمة لاستقطاب القراء والمتابعين، وغالباً لا تكتفي بسرد الخبر بكل حيادية، وإنما تسمح لأنفسها الاسترسال بالتحليل واستخلاص النتائج التي غالباً تجانب الحقيقة؛ مما يتسبب بتشويه سمعة الشخص المدان أو الشركة المدانة..!
أما ثالثاً وعلى اعتبار أن المقصد الرئيسي للحجز هو ضمان الحق العام، من خلال قيام وزارة المالية بمراقبة ممتلكات المحجوز على أمواله، ومنعه من بيعها والمتاجرة بها كون ديون الدولة من الدرجة الممتازة، فلماذا يطال الحجز جميع أموال وأصول من يقع عليه الحجز، ولا يحجز على القيمة الفعلية المطلوبة..؟ فهناك الكثير ممن يستطيع تسديد ما يترتب عليه من ديون لصالح الجهة المطالبة، فعلى سبيل المثال إذا كان أحد الأشخاص أو إحدى الشركات المحجوز عليها مطالبة بتسديد مبلغ 2 مليون ليرة سورية لإحدى الجهات العامة، وكان رأس مالها مليار ليرة سورية يتم الحجز على كامل رأس المال دون الاقتصار على المبلغ المطلوب فقط، ويمنع من المغادرة، رغم أن الحجز على المبلغ المطلوب يحفظ حق الجهة العامة..؟!
لا ننكر أبداً أحقية إجراءات الحجز الاحتياطي لضمان الحق العام، لكن ليس على حساب إلحاق الضرر بالآخرين؛ لذلك لابد من التوصل إلى صيغة توافقية يضبط من خلالها تطبيق القانون بشكل لا يغبن به أحد؛ ما يحتم بالتالي إعادة النظر في النصوص القانونية الناظمة لموضوع الحجز الاحتياطي بحيث تكون أكثر موضوعية وعدالة، وأن يكون لكل من الطرفين استخدام ذلك الحق (الجهة العامة والشخص الطبيعي أو الاعتباري) دون التمييز بينهما، وأن يكونا على مسافة واحدة من القانون؛ لأن قصر هذا الحق على الجهة العامة دون الجهة الخاصة بحجة المصلحة العامة يؤدي إلى إلحاق الضرر البالغ مادياً ومعنوياً للشخص الطبيعي أو الاعتباري، ولاسيما أنه جزء من المصلحة العامة، وأن أي ضرر يصيبه ينعكس على الاقتصاد بشكل عام.
وقبل أن نختم لا بد من التأكيد على ضرورة أن يكون هناك توضيح رسمي يضع حداً لأية شائعة مهما كانت حتى لا يتم التشهير بأحد بغير وجه حق.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com