على حالها معضلة النقل.. معالجات بنتائج متواضعة.. والمشهد اليومي يحرج أصحاب القرار
لم تعد مشكلة المواصلات في سورية عادية أو موسمية، بل أضحت معضلة يعجز المعنيون عن حلها، لدرجة أن العاصمة دمشق تسير يوماً بعد يوم لتتحول إلى قاهرة ثانية، أو مدينة هندية لجهة الازدحام المروري الخانق، وسوء المواصلات فيها، والتلوث الذي جعلها من أكثر المدن تلوثاً، فالحصول على مقعد في وسيلة نقل أضحى أكبر أحلام المواطن الذي تراه في مشهد يومي يتكرر في سباق وراء “سرفيس أو باص نقل داخلي”، تظهر علامات السعادة على محياه بمجرد قدرته على القفز إلى أية وسيلة نقل، حتى لو اضطر أن يبقى واقفاً أو متخذاً وضعية القرفصاء، فالهدف واحد لدى الجميع وهو الوصول إلى المكان المقصود، سواء البيت، أو الجامعة، أو العمل، أو أية وجهة أخرى، وهنا نرى الجميع من دون استثناء من كبار السن إلى السيدات إلى الأطفال يحاربون للوصول إلى المقعد الحلم!.
معاناة المواطن!
مشكلة المواصلات ليست بالجديدة، فهي موجودة قبل الحرب، يعاني منها المواطنون بمختلف شرائحهم، فرحلة البحث عن “سرفيس أو باص نقل داخلي” شاقة تتكرر بشكل يومي، والمتضرر الأول والأخير منها هو المواطن، وزادت الحرب من تعقيدها لأسباب كثيرة، معاناة طلاب الجامعات والمعاهد معها لا تتوقف عند فترة محددة، بل مستمرة على مدار العام الدراسي، خاصة طلاب الكليات والمعاهد التي تتواجد كلياتهم ومعاهدهم في مناطق بعيدة، ريم وهيا، طالبتا “كلية الهمك”، تحدثتا عن معاناتهما، تقول ريم: نحن من سكان منطقة المعضمية، والحضور في الكلية ضروري، إذ لا نستطيع التغيب عن المحاضرات، نضطر بشكل دائم إلى التنقل بأكثر من وسيلة نقل حتى نصل إلى الكلية، ما يحمّلنا عبئاً مالياً كبيراً كطلاب، عادة ما نرصد مبلغاً مالياً معيناً للمواصلات، ولكن ما يحصل معنا ومع غيرنا أنك لا تكتفي بالمبلغ الذي ترصده، بل في أغلب الأوقات تضطر إلى دفع مبلغ أكبر، ولم نتحدث عن المضايقات التي نتعرّض لها كفتيات، خاصة في باصات النقل الداخلي التي يحرص السائقون فيها على تكديسنا من دون مراعاة لمريض، أو كبير في السن، أو فتيات!.
سهام علي سيدة تعمل في شركة خاصة تقول: أنا أم لطفل أضطر لاصطحابه إلى روضته قبل الذهاب لعملي، أسكن في محلة المزة التي تعتبر خزاناً بشرياً كبيراً جداً، ما يجعلنا مادة دسمة لابتزاز السائقين الذين لا يلتزمون بكامل خط السير، مع أخذهم طبعاً للأجرة كاملة، من دون أية مراعاة من قبل الكثير منهم لسيدة برفقتها طفل صغير تكاد لا تصعد إلى السرفيس حتى يقوم بالسير من دون أية مراعاة لسلامة الراكب، وإذا حصل وعاتبته أو طلبت منه الانتظار ينهال عليك بالكلام المسيء، بصراحة المواطن أصبح يشعر أنه ذليل، وكرامته مهدورة، وليس أمامه إلا السكوت، فأين الحل؟ ومن يشعر بالمواطن؟.
العودة للمدارس
يشعر الأهالي بسعادة كبيرة فور انتهاء العطلة الصيفية بسبب ما تشكّله من تعب وضغط كبير عليهم، ولكن لا شك أن سعادة سائقي “السرافيس” أكبر بكثير من الأهالي، لأن موسم المدارس يعتبر بالنسبة لهم موسماً دسماً يجنون منه مبالغ كبيرة تتجاوز شهرياً مئة ألف ليرة للسرفيس الواحد، حيث يقوم الكثير منهم بالتعاقد مع أكثر من مدرسة وروضة أطفال، وهنا تبدأ معاناة أخرى للمواطنين تتمثّل باستحالة التمكن من الوصول لأعمالهم لقلة “السرافيس”، لا بل لندرتها.
اختناقات مرورية
مزاجية السائقين وتحكمهم برقاب المواطنين تعقد المشكلة أكثر، فلكل سائق قانونه الخاص الذي يفرضه علينا بهذه الكلمات، بدأ فراس مكنا حديثه مضيفاً: أنا أعمل مهندساً في إحدى الشركات الخاصة، أسكن في مدينة جرمانا التي تعتبر من أكثر المناطق ازدحاماً، عملي في الشركة يتطلب مني الظهور بمظهر لائق، ولكن “التسلّق على الباصات، والركض خلف السرافيس” لا يسمح لك بالحفاظ على مظهرك، هل يتوجب علينا كمواطنين أن نصل “مبهدلين” إلى أماكن عملنا، مضيفاً: الكثير من السائقين لا يلتزمون بخطوطهم، ويأخذون منك أجرة كاملة، والجملة الحاضرة دائماً: “إذا مو عاجبك انزل”، وحجتهم الحاضرة أن مخصصات الوقود لا تكفيهم، والوقوف في طابور الكازية يضيع نصف نهارهم.
حلول تعقّد المشكلة
للمشكلة أطراف متعددة، فتخصيص كمية معينة لوسائل النقل جعل منها شماعة “يتحجج” بها معظم السائقين، والتنسيق هنا مطلوب من جميع الجهات المعنية من حماية المستهلك، إلى محافظة دمشق، إلى إدارة المرور، كل الجهات معنية للتخفيف من هذه المشكلة التي باتت تؤرق كاهل المواطن مادياً، ومعنوياً، وجسدياً، فبعد إزالة معظم الحواجز من مدينة دمشق كان يفترض على الجهات المعنية وضع خطط سريعة، خاصة بعد أن تحرر ريف دمشق من رجس الإرهاب، ما يشكّل ارتياحاً وحرية أكبر للبدء بتنفيذ خطط إعادة تأهيل البنى التحتية، وتأهيل الشوارع، خاصة الفرعية، ووضع خطط لمشاريع تحل الاختناقات المرورية، ولكن ما نلحظه كمواطنين أن هذه المشكلة تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ولا نلمس فيها أي تحسن!.
تأثر منظومة النقل في الحرب
عضو المكتب التنفيذي للنقل والمواصلات باسل ميهوب أوضح تأثر منظومة النقل والمواصلات بسبب الحرب كباقي المرافق الحيوية، متابعاً حديثه: ما إن تخلصنا من رجس الإرهاب، وعودة شريان الحياة حتى تم اتخاذ عدة إجراءات لإعادة ميزان النقل والمواصلات، وكما هو معروف لدى الجميع أن العديد من آليات النقل الجماعي خرجت من الخدمة، ومنها مرافق النقل الداخلي، إضافة إلى أن معظم الطرق تعرّضت للتخريب نتيجة الأعمال الإرهابية، وحفر الأنفاق، لذلك بدأ العمل بشكل متواز لإعادة تأهيل وترميم الطرقات من خلال فتحها مع المداخل، وترحيل الأتربة، وقشط وتزفيت ووضع الشاخصات والدلالات، وتفعيل الشارات المرورية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إعادة تأهيل مدخل دمشق الشمالي، إضافة إلى تأهيل المتحلق الجنوبي، مضيفاً: أما ما يخص النقل الجماعي فتم رفد شركة النقل الداخلي بعدد من الباصات وفق العقود المنجزة مع جمهورية الصين الشعبية، إضافة للباصات التي تم تقديمها كهدية للشعب السوري، أيضاً تم التعاقد مع شركات خاصة كشركة كوجك لتأمين 40 باصاً بخط طوله 14كم تقريباً، وبتعرفة 50 ل.س من منطقة عش الورور، وصولاً للزاهرة الجديدة، إضافة إلى توجيه رئاسة الحكومة، ووزارة الإدارة المحلية للقطاع الخاص باستيراد باصات نقل 24 راكباً لتعمل على خطوط النقل التي لا تستطيع باصات النقل الداخلي الوصول إليها، وعدم منح أية موافقة للميكروباصات من قبل لجنة نقل الركاب المشترك التي تتعاقد مع القطاع العام أو الخاص لتعود إلى عملها الأساسي وهو نقل المواطنين.
إدارة المرور
تحدث رئيس فرع إدارة المرور العميد خالد الخطيب عن انتشار دورياتهم في المدينة لمراقبة موضوع تغيير الخطوط، مضيفاً: في السنة الماضية أصدرت لجنة نقل الركاب قراراً للحد من تسرب “الميكروباصات” عن الخطوط، وعدم إعطاء موافقات “للميكروباصات” التي تقوم بنقل الأطفال والطلاب، سواء في رياض الأطفال، أو المدارس، أو نقل الموظفين، ليلتزم السائقون بخطوطهم، ووضع حد للتسرب، حيث تعمل الدوريات على مراقبة تغير الخط، أو عدم الوصول إلى نهايته، وفي إحصائية عام 2018 كان هناك 4697 ضبط تغيير خط، و773 ضبط مخالفة عدم وصول إلى نهاية الخط، أما في هذا العام فبلغ عدد المخالفات 2107 ضبوط تغيير خط، إضافة إلى 978 ضبط عدم الوصول لنهاية الخط، مضيفاً: بالنسبة لموضوع إدارة الخطوط يجب تفعيله في المحافظة، حيث اقترحنا على عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل والمواصلات بالاشتراك مع نقابة عمال النقل البري عقد اجتماع لكل السائقين العاملين على كل الخطوط لتشكيل هيئة خط مؤلفة من مدير الخط، وأعضاء مراقبين على الخط مهمتهم تنسيق العمل بينهم لضبط عمل الميكروباصات على هذا الخط، سواء لجهة تغيير الخط، أو التسرب، أو لمن لا يعمل أو يتعاقد مع المدارس.. إلخ، يقدمون التقارير ونحن نقوم بمعالجتها، مضيفاً: لا يوجد عدد كاف لدينا، ونحن ننتظر التنفيذ، ولكن قبل ذلك ننتظر الاجتماع، فنحن غير قادرين على وضع شرطي مرور يراقب عمل كل تكسي أو سرفيس، فعدد أفراد شرطة المرور تقريباً ألف، نصفهم يعمل في الأقسام، والباقي منتشرون في كل أرجاء المدينة، أما فيما يخص السائقين الذين يأخذون كامل الأجرة ولا يصلون لنهاية خطهم، يجب على المواطن نفسه أن يقوم بتقديم شكوى ضدهم حتى نقوم بتوقيفهم، وبالنسبة للتكاسي التي لا تلتزم بالعدادات يدعي السائقون أنهم يحصلون على كمية معينة للبنزين لا تكفي، ما يضطرهم لأخذ الضعف لأنهم يشترون البنزين بشكل حر، ويتابع الخطيب حديثه بأنهم منذ فترة قاموا بحملة تم من خلالها إيقاف الكثير من التكاسي لضبط هذه الحالة، ولكن الحجة الحاضرة هي أن الكمية المخصصة غير كافية، ومن المفترض أن تكون هناك دراسة للوقوف على مطالب السائقين التي من الممكن أن تكون محقة، ومن وجهة نظر العميد الخطيب أن ما ينقصنا اليوم هو تشكيل هيئات خط لكل خط تنظم عمل الميكروباصات لأن هذا من شأنه مساعدتهم لضبط الخط أكثر، حيث تقوم إدارة المرور بإلزام السائق، ووضع تعرفة، ومتابعة أية شكوى.
تزداد تعقيداً
عدم رضى وتململ من قبل المواطن لأن النتائج على الأرض غير مرضية، والمشكلة تزداد تعقيداً، وصعوبة الحصول على مقعد، والوصول إلى المكان المنشود أصبحت حلماً تتخلله الكثير من المصاعب، وهدر كرامة المواطن من قبل المتحكمين بظرفه، خاصة سائقي الوسائل العامة الذين يفتقر الكثير منهم للأخلاق وحسن التعامل، والاستغلال والابتزاز وجمع ثروة على حساب المواطنين في وقت قياسي، لذلك لابد من العمل لوضع كل الإمكانيات للتخفيف من هذه المشكلة لأنها أضحت ككرة الثلج التي تكبر مع الوقت حتى لا يأتي وقت نصل فيه لمرحلة نكون غير قادرين للسيطرة على هذا الموضوع الحيوي الذي يشكّل هاجساً لكل المواطنين من دون استثناء!.
لينا عدرة