الدخل والإنفاق في الميزان
من المجمع عليه، أن نسبة ازدياد الدخل أقل من نسبة ازدياد الإنفاق، لدى أغلب الأسر أو الأفراد، والزيادة المرتقبة للرواتب مطلب جماهيري، علماً أنه ما من زيادة سابقة حدثت في الراتب، بدءاً من سبعينات القرن الماضي، إلا وكان قسم كبير منها مستهلكاً مسبقا، أو تم استهلاكه خلال فترة وجيزة عقب صدورها؛ ما يجعل الآمال المعلقة على الزيادة الموعودة، أضعف مما يرتجى منها، نظراً لارتفاع الأسعار الكبير الذي سبقها، والمتوقع مثيله عقب صدورها، ومع ذلك تبقى محط رغبة وانتظار وأمل الجميع.
إن شكوى انخفاض الدخل قياساً بحاجيات الإنفاق، قائمة عند الكثيرين من المواطنين السوريين، وتتفاقم عاماً بعد عام، والخشية كبيرة من التزايد المتصاعد، وأكثر من يتحسس هذه الظاهرة هم ذوو الدخل المحدود، من شريحة العاملين في إدارات ومؤسسات القطاع العام، ومعهم شريحة المتقاعدين الذين يشكون من تباين كبير بين الدخل والإنفاق، خلافاً لما كان عليه الحال قبل عقود، فالقوة الشرائية للراتب الحالي، الذي وسطه بحدود / 40 / ألف ليرة هي أقل بشكل ملحوظ، من القوة الشرائية لوسطي الراتب القديم الذي كان بحدود / 400 ل.س / في سبعينات القرن الماضي، يوم كان الراتب يمكِّن صاحبه من تغطية الإنفاق المميز، ويسمح بتحقيق بعض الوفر الادخاري لغايات استثمارية، والشكوى الأكبر من شريحة المعينين مجدداً، والذي اعتاد بعضهم أن يكون إنفاقه الشهري وهو على مقعد الدراسة، يقارب راتبه الوظيفي بعد تخرجه، ومع ذلك يتهافتون بالآلاف على مسابقة تطلب العشرات.
الجميع يطالب برفع مستوى الدخل – زيادة الرواتب – ليقارب مستوى الإنفاق، وهذا مطلب حق، ولكن التريث المديد الذي اتبعته السلطات في معالجة ذلك محط تساؤل، وأيضاً محط تفاعل وقبول من العاملين نظراً للظروف الاقتصادية الناجمة عن الحرب العدائية التي يشنها الأعداء على قطرنا.
حقيقة الأمر أن اتساع الهوة بين الدخل والإنفاق لا يعود فقط لضعف نسبة تزايد الدخل، بل تعود في كثير منها لازدياد حالات الإنفاق، كماً ونوعاً، فكثير من الإنفاق الحالي، لم يكن معهوداً بتعدده وتنوعه، لدى معظم الأسر، يوم كان وسطي الراتب /400/ ل.س، وهذا الذي كرس مفهوم أن الراتب قليل قياساً بحجم الإنفاق المطلوب؛ فنفقات الماء والكهرباء والاتصالات والمواصلات التي تستهلك جزءاً من الدخل لم تكن موجودة قديماً، لدى أغلب الأسر، ولم تكن كثير من النفقات الحالية التي تستنفذ قسماً كبيراً من الراتب موجودة، مثال ذلك نفقات التعليم المنزلي الخاص ونفقات الكتب المدرسية المساعدة، ولم يكن حليب الأطفال حاجة لدى أغلب الأسر، وكذا كثير من مستلزمات الأطفال /حفاضات وأغذية خاصة وألعاب….. والحال نفسها بالنسبة لعشرات المواد، ومن يقف أمام الكثير من المحلات التجارية يجدها مليئة بعشرات السلع غير المعهودة قديماً، /منظفات– محارم– زيوت– مكسرات– حلويات– معلبات– مشروبات غازية وروحية، دخان بأنواعه التي يغلب علها النوع الأجنبي- وأركيلة بأنواعها، عدا عن تكاليف البناء والمفروشات.، والمعدات الكهربائية/.
من الملاحظ أن المستهلك السوري الذي شهد سنوات من الرخاء الاقتصادي، واعتاد أنماطاً من الاستهلاك، مازال حالياً على نفس النزعة الاستهلاكية، ولا زال يستهلك الكثير من المواد رغم غلائها، فعلى سبيل المثال لا زالت القهوة المستوردة والمرتفعة السعر مادة كل بيت، بما في ذلك الكثير من الأسر المصنفة فقيرة، علماً أن المنطق يقضي إن لم يكن بمقدور المواطن أن يرفع من دخله بما يراه ضرورياً، أليس من واجبه أن يعمل لتخفيض إنفاقه من كثير مما هو ليس بحاجة ماسة له.
مدعاة للسرور أن الكثيرين يمارسون أكثر من عمل لغاية تأمين المزيد من الدخل لتغطية المزيد من حاجاتهم، وبالتوازي مع ذلك حبذا أن نجد الكثيرين يعزفوا عن استهلاك الكثير من المواد غير الضرورية أو أقرب إلى الكماليات، وخاصة المستوردة، والمثل القديم يقول “مُدَّ رجليك على قدر حصيرك”، واعمل جاهداً لرفع سوية إنتاجك ودخلك، حتى تتمكن من تجهيز فراش وثيرٍ على سريرك، وتؤسس مستقبلاً لصغيرك، من الكسب الحلال الذي يرضي ضميرك، واحذر أن يتملك اليأس والقنوط تفكيرك، فالبلد إلى أمان، مهما طال الزمان، والأشرار والفاسدون إلى هزيمة محققة، مهما أظهروا من انتصارات ملفقة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية