“فيتو” روسي صيني يسقط مشروع قرار في مجلس الأمن لحماية الإرهابيين في إدلب الجعفري: “حَمَلة القلم الإنساني” يتجاهلون الأسباب الرئيسة للأزمة الإنسانية في سورية
استخدمت روسيا والصين، أمس، حق النقض “فيتو” ضد مشروع قرار ألماني بلجيكي كويتي في مجلس الأمن يهدف إلى حماية الإرهابيين في إدلب بحجة وقف الأعمال القتالية، فيما شدّد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة، الدكتور بشار الجعفري، على أن سورية ترفض مشروع القرار، الذي تقدّمت به دول ما تسمّى “حملة القلم الإنساني”، بسبب تجاهله الأسباب الرئيسة للأزمة الإنسانية وهي الإرهاب، المدعوم دولياً، والوجود غير الشرعي لقوات أجنبية ومحاولتها فرض وقائع جديدة على الأرض، مشيراً إلى أن مشروع القرار تجاهل ضرورة استثناء التنظيمات الإرهابية من وقف الأعمال القتالية، وعلى نحو يتناقض مع اتفاقات أستانا وسوتشي، وتجاهل كذلك مسؤولية الدول الأعضاء في إعادة إرهابييها الأجانب وعائلاتهم ومساءلتهم، وأضاف: إن الدول التي قدّمت مشروع القرار تناصب الدولة السورية العداء، وتنخرط في جهود بعض الدول الهادفة إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة خدمة لمصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وأعرب الجعفري عقب التصويت على مشروع القرار عن شكر سورية للدول التي صوّتت ضده، وتلك التي صوتت بالامتناع، حفاظاً على مبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وفي مقدمتها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأشار إلى أنه على غرار القرارات السابقة، التي اعتمدها مجلس الأمن، فإن مشروع القرار الذي تمّ طرحه ينصّ في فقرته التمهيدية الثانية على أن مجلس الأمن يؤكّد من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، غير أن ممارسات “حملة القلم” تنتهك سيادة الجمهورية العربية السورية، وهو ما لا يمكن القبول به، مشيراً إلى أن “حاملي القلم” عملوا على الدعوة لعقد هذه الجلسة، وتقديم مشروع القرار دون التشاور والتنسيق الحقيقي مع وفد الجمهورية العربية السورية، المعني الأول والأخير.
وأكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن دولاً غربية دائمة العضوية تتلطّى خلف “حملة القلم” في صياغة مسودة قرار منحاز حول “وقف الأعمال القتالية” في إدلب، بينما تتجاهل جرائم الحرب التي يرتكبها ما يسمى “التحالف الدولي” وأدواته من الإرهابيين والميليشيات غير الشرعية العميلة له، وأضاف: إن سورية تستغرب صمت هذه الدول عندما يتعلّق الأمر بالوجود الأجنبي غير الشرعي على أراضيها، وبالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، التي شجّعها صمت مجلس الأمن والحصانة التي توفّرها بعض الدول لممارسات الاحتلال.
وأضاف الجعفري: ممارسات “حملة القلم” أثبتت الفجوة الهائلة بين المبدأ والتطبيق لنصّ فقرة الالتزام القوي بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وتساءل: لماذا لم ينسق “حاملو القلم” مع سورية قبل طرح مشروع القرار، وكيف يتجاهلون موافقتها على وقف إطلاق النار في إدلب مع الاحتفاظ بحق الرد على أي خرق من الإرهابيين، ولماذا تجاهل “حاملو القلم” في مشروع قرارهم الإشارة إلى عدم استثناء المجموعات الإرهابية من “وقف الأعمال القتالية”، علماً أن اتفاق أستانا لا يشمل هذه المجموعات التي صنّفها مجلس الأمن على أنها كيانات إرهابية، وكيف يمكن لـ “حاملي القلم” أن يدعوا حرصهم على الوضع الإنساني في سورية، وهم يتجاهلون في مشروع القرار السبب الأساسي للأزمة الإنسانية فيها وهو الإرهاب، المدعوم من دول بعضها أعضاء في مجلس الأمن؟!.
وأشار الجعفري إلى أن بعض متبني مشروع القرار شاركوا منذ اليوم الأول فيما يسمى “التحالف الدولي” غير الشرعي، الذي لم يتصدّ يوماً للإرهاب، بل دمّر البنى التحتية السورية، وقتل آلاف المدنيين، وأنقذ متزعمي تنظيم “داعش” الإرهابي، ولفت إلى أن واشنطن والنظام التركي أعلنا عن اتفاق حول ما سمي “منطقة آمنة” فوق الأراضي السورية بهدف تعقيد وإطالة أمد الأزمة من خلال محاولة خلق وقائع جديدة على الأرض، ولفت إلى أن دول ما تسمى “حملة القلم” تشارك في الإرهاب الاقتصادي المتمثل بفرض إجراءات اقتصادية قسرية أحادية الجانب تطال آثارها الكارثية المواطنين السوريين.
وفي جلسة ثانية لمجلس الأمن، قال الجعفري: تواصل حكومات بعض الدول دائمة العضوية في هذا المجلس، والتي يفترض أنها مؤتمنة على إعلاء مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وحفظ السلم والأمن الدوليين، إساءة استخدام آليات هذه المنظمة الدولية، بما في ذلك هذا المنبر، لتسييس الوضع الإنساني في سورية، واستخدامه أداة في حملة معادية تهدف إلى زعزعة أمن سورية واستقرارها ودعم الإرهاب فيها، وتلفيق اتهامات بقصد تشويه صورة الحكومة السورية وحلفائها، والتغطية على جرائم تلك الدول ذاتها وجرائم حلفائها وعملائها وأدواتها في المنطقة، وبيّن أن سورية لم ولن تدخر جهداً لتقديم الدعم وتوفير الاحتياجات المعيشية لجميع مواطنيها، أينما وجدوا على كامل أراضيها، لافتاً إلى أن تحسين الوضع الإنساني والتصدي للصعوبات التي يواجهها السوريون لتأمين احتياجاتهم المعيشية الأساسية يتطلّب التعاون مع الدولة السورية كشريك أساسي في المجالين الإنساني والتنموي بعيداً عن أي شروط سياسية مسبقة أو إملاءات مرفوضة أو محاولات ابتزاز تهدف إلى عرقلة جهود الإعمار، وإعادة المهجّرين، والالتزام التام باحترام سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو المبدأ الجوهري الذي أكد عليه مجلس الأمن في 20 قراراً اعتمدها على مدى السنوات الثماني الماضية.
وشدد الجعفري على ضرورة دعم جهود الدولة السورية وحلفائها في مكافحة ما تبقى من فلول التنظيمات الإرهابية والإرهابيين الأجانب تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية على الأراضي السورية، ووقف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها “التحالف الدولي” غير الشرعي، إضافة إلى الرفع الفوري للإجراءات القسرية أحادية الجانب التي أثّرت بشكل كبير على حياة السوريين، وأعاقت حصولهم على احتياجاتهم اليومية الأساسية والمعيشية.
وأشار الجعفري إلى أن سورية وافقت على وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بإدلب بدءاً من الحادي والثلاثين من آب الماضي، مع الاحتفاظ بحق الرد على أي خرق من الإرهابيين، وقامت بالتنسيق مع الجانب الروسي بفتح ممر إنساني ثان في منطقة أبو الضهور بإدلب إلى جانب الممر الإنساني الذي تمّ فتحه سابقاً في مدينة صوران لتمكين المدنيين من الخروج من مناطق انتشار التنظيمات الإرهابية، التي تتخذهم دروعاً بشرية، والتوجّه إلى المناطق التي حرّرها الجيش وحلفاؤه من الإرهاب، إلا أن التنظيمات الإرهابية تقوم، ولليوم السابع، باستهداف المدنيين وإطلاق النار عليهم لمنعهم من المغادرة عبر هذين الممرين، وأضاف: إن التنسيق السوري- الروسي أثمر عن إخراج أكثر من 29 ألف مدني من المهجرين المحتجزين في مخيم الركبان، وتأمين مراكز إقامة مؤقتة لاستقبالهم، تمهيداً لعودتهم إلى مناطقهم التي تمّ تحريرها من الإرهاب، كما يسرت الحكومة السورية مؤخراً زيارة بعثة تقييم للأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري وقافلة مساعدات إلى المخيم الكائن في منطقة التنف المحتلة من قبل القوات الأمريكية وتنظيم “مغاوير الثورة” الإرهابي، ولفت إلى أن الأمم المتحدة أعلنت بعد الزيارة وجود 13 ألف شخص فقط في المخيم، ورغبة 37 بالمئة منهم بمغادرته والعودة إلى مناطق سلطة الدولة، إلا أن التنظيمات الإرهابية، المدعومة من قوات الاحتلال الأمريكية، رفضت السماح لهم بمغادرة المخيم، واستولت بالقوة على جزء كبير من المساعدات الإنسانية، وقامت بنقلها إلى أحد مقارها في منطقة التنف، مؤكداً أنه على الذين يعيشون أوهام اليقظة، ويعتقدون بإمكانية تحويل التنف إلى جيب محتل كغوانتانامو أو تحويل إدلب إلى تورا بورا ثانية أن يكفوا عن أوهامهم تلك.
وبيّن الجعفري أن سورية تواصل التعاون مع الشركاء في العمل الإنساني لمعالجة وضع مخيم الهول وقاطنيه، ومنحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الموافقة على إدخال مشفى ميداني متنقّل إلى المخيم مع كامل طاقمه الطبي والفني، الذي يربو على 100 شخص، إضافة إلى دعم إرسال المساعدات المختلفة للمحتاجين في المخيم والمناطق المجاورة له، مشدداً على مسؤولية الدول المعنية عن استعادة إرهابييها وعائلاتهم من المخيم دونما إبطاء.
من جهته، أوضح مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن بلاده صوّتت ضد مشروع القرار لأنه يهدف إلى إنقاذ الإرهابيين في إدلب من الهزيمة النهائية، ويتجاهل مسألة مكافحة الإرهاب في سورية، مشيراً إلى أن مقدمي المشروع تجاهلوا مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، التي تنصّ على عدم شمول التنظيمات الإرهابية بأي وقف لإطلاق النار، وأضاف: نستغرب كيف اختفت إنسانيتكم عندما دمّر “التحالف الدولي” مدينة الرقة، وعندما سوّيت هذه المدينة بالأرض؟!، مبيناً أنه عند كل تقدّم للجيش العربي السوري بمواجهة الإرهاب فإن هؤلاء الإرهابيين يصبحون ممثلين “للمعارضة السورية”.
كما أكد نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، وو هاي تاو، ضرورة حل الأزمة في سورية سياسياً وفق القرار الأممي 2254 والحفاظ على سيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها.