العنف المدرسي؟!
رغم الجهود المبذولة في القطاع التربوي، إلا أنها لم تستطع إلى الآن إحداث فرق حقيقي في الحياة المدرسية، حيث تؤكد العديد من الحالات التي تزداد منذ بداية العام الدراسي، وفي مقدمتها العنف الطلابي، سواء داخل المدارس أو خارجها، مدى تراجع التربية المدرسية أمام حالة الاضطراب السلوكي العدائي الذي تتعاظم تداعياته على العملية التدريسية من جهة، وعلى العلاقات الطلابية، ومن خلالها على الواقع المجتمعي الذي بات أكثر هشاشة وعرضة للاستفزاز السريع، دون إدراك العواقب والنتائج السلبية على المجتمع بأكمله.
ولا شك أن الكثير من الوقائع التي تحدث، سواء داخل المدارس أو خارجها، تدعونا لسماع ذلك الوجع الاجتماعي الذي نسمع أنينه في كل بيت، حيث يعاني الناس اليوم من تراكمات نفسية في حياة أطفالهم تتجلى بالخوف، والتخلف الدراسي، والفشل المتكرر في اكتساب أية مهارات جديدة، وسيطرة السلوكيات العدوانية على تصرفاتهم، وفقدان الثقة بالنفس وبالآخرين، عدا عن عدم احترام القانون والقيم الاجتماعية، حيث ارتسمت في ذهنهم مشاهد جديدة للحياة تتسم بالعنف، والقتل، وغياب الرحمة والشفقة، وعدم احترام الآخرين كالأهل، والمدرّسين، ويمكن القول هنا بأن ما يجري في حياة الطفولة ينبىء بارتفاع في نسبة الجريمة في المستقبل، وسنصادف الكثير من الحالات النفسية التي ستحول مجتمعنا إلى مجتمع مريض، فاقد للقيم، وغارق في الجريمة التي باتت أكثر حضوراً في المجتمع، كما أن انتشار الممارسات الخاطئة والتصرفات الخارجة عن المألوف الاجتماعي والأخلاقي بين الفئات العمرية الصغيرة يزيد من صعوبة المهمة التربوية، بل ويضعها في مواجهة مصيرية أمام موجة المتغيرات التربوية والأخلاقية السائدة في المجتمع، وطبعاً الاستسلام لتداعيات الأزمة، والاكتفاء بإلقاء المسؤولية على مستجداتها، أضعفا أي تحرك أو تفاعل من الجهات التربوية مع هذا الواقع الطفولي المتخم بمظاهر العنف التي تتكاثر في المدارس، خاصة مع الحضور الشكلي أو الغياب التام لكوادر الإرشاد النفسي والاجتماعي فيها، ومن جهة أخرى الاستمرار بتسجيل الاعترافات بالمشكلة خلال الاجتماعات واللقاءات، وتكرار الأحاديث عن ضرورة التخفيف من وطأة الأحداث الأليمة على الأطفال، والترويج الإعلامي الدعائي لبعض المبادرات الفردية بعيداً عن الجماعي، سواء المؤسساتي أو الأهلي، يعد استنزافاً للجهود، وإضاعة للوقت، فالقضية تحتاج إلى منظومة عمل متكاملة تمتلك أدواتها الفاعلة وأساليبها في مكافحة ومعالجة الجريمة والعنف الطفولي، وتضميد الأذى النفسي والسلوكي.
بشير فرزان