ثقافةصحيفة البعث

“رنين الظلال” شعر يستدعي رموز الماضي

ينبثق الجمال من خلال التشكيلات اللغوية التي يتوسل بها الفنان بناء فنه، فيغدو الفن والجمال في هذه الحال شيئاً واحداً على النحو الذي تصوره دعاة نظرية الفن للفن أيضاً، ويقوم الشعر بترتيب الألفاظ ترتيباً منسجماً من حيث ما تشكلّه كلّ كلمة بالنسبة للإيقاع، وهذا ما يظهر في ديوان “رنين الظلال” للشاعر د.محمد سعيد العتيق، الموضوع الذي تناولته الندوة النقدية التي أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب وأدارها الناقد أحمد علي هلال.

الفن جمال
البداية كانت مع د.أحمد علي محمد الذي قدم مداخلة بعنوان “جماليات التشكيل الفني في رنين الظلال” قال فيها: يحاول د. محمد سعيد العتيق في مجموعته خلق تشكيلات لغوية تحاكي الجمال الفني، من خلال إطلاق إحساسه الجمالي في اللغة الشعرية، بصورة تحمل القارئ تلقائياً على إدراك النسب الموسيقية، التي سرعان ما تستحيل عناصر إيحائية، تملأ نفسه بجمال الفن، مما يفضي إلى فتنة الصوغ، التي لم يستطع د.العتيق أن يكتمها في أول عتبة نصية في مجموعته وأعني العنوان الذي أراد من خلاله إرسال دفقة شعرية عبر الرنين، والمتعة الناجمة عن عنوانه تتمثل هنا بتراسل المسموع مع المرئي، ليكون هنالك رنين للظلال، وهو كشف شعوري يوحي إلى ظلال النفس حين تتشبع بالإيقاع ليشمل الوجود المرئي كله، الرنين في اللغة صوت الحزين المُشتكي، وللبكاء رنينٌ شجي، وأعظم أصداء البكاء هو الرنين، لشدة تأثيره في السامعين، وتبدو جهة التشكيل في العنوان الذي جعل للظلال مساحات متناهية في الامتداد، لتشمل أشكال الموجودات كلها، تتحد لتمسي جسماً واحداً يستجيب لموجات صوتية تصدرها نفس الشاعر العتيق، وهكذا تستجيب لنفسه ظلال الموجودات كافة، وهذا هو أحد مستويات التشكيل الشعري لديه، وإذا بحثت عن الجمال في هذا التشكيل اللغوي والإيقاعي، ستجده في ترتيب الكلمات.
وختم د. محمد قائلاً: أتاح لنا النظر الجمالي الوقوف على بعض مزايا التشكيل في مجموعة محمد سعيد العتيق المعنونة: “رنين الظلال”، وهي مجموعة غنية بأدواتها وإيحاءاتها، ولعل أهم ما سعى إليه هو إجراء مقاربة نقدية تفضي إلى إبراز ما سماه شارل لالو بالصيغة العليا للجمال الفني، والتي تتألف من عناصر شتى، كالمعنى المراد في الشعر فنجد اللفظ والوزن أو البحر المناسب والقافية الموائمة والجرس الموسيقي والإيحاء، فإذا توافرت هذه العناصر كلها، وكان بعضها مؤتلفاً ومتناسباً مع بعض ومع المجموعة، أدت إلى تأليف صيغة فنية عليا.

إضاءة
بدورها قدمت د.ريما دياب مداخلة بعنوان: “إضاءة على ديوان رنين الظلال” الذي احتوى على سبع وعشرين قصيدة قائمة على الشعر النثري، وعالجت أغلب القصائد القضايا الوطنية ولامست ألم الشعب وأمله، والشاعر الحقيقي لا يستطيع العيش بمنأى عن ألم الشعب وطموحاته، فعكست تلك القصائد ما ألمّ ببلاد الشاعر من دمار وحزن جعله يصدر صوت الأنين الذي رافقنا في كلِّ النصوص، ومن هنا نجد أن الشاعر قدم لنا لوحة جميلة، ولكن غلب عليها لون السواد، فكانت تصدر أصواتاً حزينة، سمعناها في كل نص بنغمة جديدة موحية.
وقد عالج الشاعر في ديوانه موضوعات جديدة، خرج من خلالها عن عالم الشعر التقليدي، وعن الموضوعات القديمة ليجعل شعره وثيقةً توثق أحداثاً عشناها وواقعاً لمسناه صاغها بلغة على الرغم من بساطتها إلا أنها ممتنعة، ولاشك أن هذه اللغة الممزوجة بالمشاعر والأحاسيس تفصحُ عن موهبةٍ فطرية وروحٍ شاعرية صورت أبعاد الشاعر الاجتماعية والفنية من حيث هو قادر على الابتكار والإبداع في الأساليب والتعامل مع اللغة التي لم تكن عنده صوراً جامدة ولا أساليب تقليدية فحاول أن يجدد في نصوصه فأضاف شيئاً مهماً إلى التراث.
امتازت النصوص بشكل عام بالانسجام، فكان الديوان نسيجاً من القصائد المنسجمة المتسقة من حيث العلاقات الدلالية من جهةٍ والعلاقات النحوية القائمة على العلاقات الإسنادية، وما جعل الديوان منسجماً أن أفكاره تصبُّ في مصب واحد، وهذا ما أسهمَ في كشف القيم الجمالية والأدبية، وضمّن للقصائد التواصل والاستمرارية.
وأضافت دياب: ذكر الشاعر ومضات من قصص الأنبياء، ولتلك الرموز الدينية أهمية لما يرتبطُ بها من أحداث واقعية مهمة لذا وجد الشاعر استدعاءها يثري المضمون الشعري ويكشف الكثير من المعاني التي يصعب التعبير عنها بطريقة مباشرة، واستدعاء تلك الرموز هي في الحقيقة محاولة لقراءة واقعنا العربي، وأضفت تلك الرموز على عمله الشعري عراقة وأصالة ومثلت نوعاً من امتداد الماضي والحاضر، فجعل شعره يتخطى حدود الزمان والمكان، ليتعانق الماضي والحاضر، فلهذا النص حركة باطنية تمتد من الماضي إلى الحاضر، فاستحضر قصص الظلم ليدل على الظلم الذي نعيشه، وقد وافق برموزه طبيعة القضايا والهموم التي أراد التعبير عنها، كما أسهم التشكيل المعتمد على الأساطير والرموز والتاريخ والدين في زيادة لحمة القصيدة، فبدت قطعة رائعة تلتحم أشد الالتحام مع المعاني التي سبقتها وكانت نتيجة لها، فكان شعره وثيقة حضارية جامعة لكل الحياة السياسية والاجتماعية التي نعيشها، واستمد صوره من التراث مما أدى إلى انسجام فنه مع واقعه، فقد اتصل بالتراث وفق التشكيلات التصورية ليظهر أثرها بابتكاره وإبداعه واستطاع الارتقاء بمستوى الرمز الأسطوري التاريخي والديني بوصفه أداة شعرية تعبر عن صراع الإنسان ضد القهر والظلم والحرمان، وباستحضاره هذه الرموز يستحضر التاريخ الإنساني بما فيه من خير وسلام وظلم وشر، فتحولت تلك الرموز الموصولة بفكرة المصير والموت والظلم إلى معانٍ شعرية أثرت القصيدة ونوعت مجالاتها الفنية والتصويرية على نحو خاص.

جمان بركات