قرار قضائي حاسم يرسم مسار بريكست
أعلنت الحكومة البريطانية في داونينج ستريت، أمس، أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، سيتوجّه هذا الأسبوع إلى نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، وذلك على الرغم من حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت المحكمة العليا في بريطانيا قد تتدخل في تعليقه لعمل البرلمان.
ويتوقّع أن تصدر المحكمة العليا في بريطانيا حكماً هذا الأسبوع بشأن الطعون القانونية لتعليق جونسون لأعمال البرلمان، وإذا وقع ذلك سيضطر رئيس الوزراء إلى قطع رحلته إلى نيويورك إذا قضت المحكمة بعدم قانونية تعليق البرلمان.
ومن المرجح أن تهيمن قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال لقاءات جونسون على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وسيسعى جونسون لإبرام صفقات تجارية ليبرالية مع الولايات المتحدة ودول أخرى من خارج الاتحاد الأوروبي بعد بريكست. في حين بدأ حزب العمّال البريطاني، الذي يشهد انقسامات عميقة، مؤتمراً صعباً لزعيمه جيريمي كوربن، الذي يتعرّض لضغوط شخصيات كبيرة في الحزب من أجل تبني موقف يؤيد بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، بينما يقترب موعد بريكست.
وسيناقش أكبر أحزاب المعارضة البريطانية حتى الأربعاء، قضايا يتبناها اليسار مثل أسبوع عمل محدد بأربعة أيام من دون تغيير في الأجور، وإلغاء المدارس الخاصة، وتحقيق التوازن في انبعاثات الكربون بحلول 2030، من أجل تحديد الخطوط العريضة لحملته في الانتخابات التشريعية، لكن القضية الكبرى تبقى بريكست، الذي سيصوت مندوبو الحزب البالغ عددهم 1200 بشأنه اليوم الاثنين. ويبدو موقف حزب العمّال غير واضح بين جونسون زعيم حزب المحافظين، الذي يريد إنجاز بريكست بأي ثمن في 31 تشرين الأول، والحزب الليبرالي الديمقراطي الوسطي، الذي يريد البقاء بكل بساطة في الاتحاد الأوروبي من دون إجراء استفتاء جديد.
ويؤكّد كوربن، في مقال نشر هذا الأسبوع في صحيفة “ذي غارديان”، أنه إذا تسلّم حزب العمّال الحكم، فسينظم استفتاء للاختيار بين عرض يتمتع بالصدقية للخروج من الاتحاد الأوروبي مع اتفاق ينصّ خصوصاً على اتحاد جمركي جديد وضمانات حول الحقوق الاجتماعية والبيئة، ومن جهة أخرى البقاء في الاتحاد.
واكتفى كوربن، الذي يقود الحزب منذ 2015، بالقول: إن “الشعب البريطاني سيتخذ القرار النهائي”.
وكان كوربن (70 عاماً) المشكك في جدوى الوحدة الأوروبية، والذي يتبنى مواقف أكثر يسارية من أسلافه، دافع بشدة عن البقاء في الاتحاد خلال حملة استفتاء حزيران العام 2016، الذي صوّت فيه 52 بالمئة من الناخبين مع الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويبذل قادة في الحزب على رأسهم نائب رئيسه توم واتسون جهوداً ليتخذ العمّاليون موقفاً مؤيداً للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
ودعا واتسون مؤخراً حزب العمّال إلى أن يدعم بلا لبس، البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء جديد يدعو إلى تنظيمه قبل الانتخابات العامة، التي أصبحت مرجّحة بسبب الأزمة السياسية التي تشهدها المملكة المتحدة بسبب بريكست.
ونجا واتسون أخيراً من محاولة لإزاحته من قبل بعض المقرّبين من كوربن، الذي قال عبر “بي بي سي”: “تدّخلت ولم يحصل ذلك”.
من جهته قال المسؤول المكلّف ببريكست في حزب العمّال كير ستارمر، الذي كان يشكك قبل عام بشأن إجراء استفتاء ثان: إنه سيقوم “بحملة من أجل البقاء” في الاتحاد الأوروبي.
وينعقد المؤتمر بينما تراجعت نسبة الذين يثقون بزعيم الحزب إلى أدنى مستوى يسجّله زعيم للمعارضة في المملكة المتحدة، بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد “إيبسوس” ونشرت نتائجه الجمعة.
وقال 76 بالمئة من الذين شملهم هذا الاستطلاع: إنهم ليسوا راضين عن أدائه، لكن كيران بيدلي مدير الأبحاث في معهد “إيبسوس موري”، يرى أن كوربن نجح في تحسين الوضع خلال حملة الانتخابات التشريعية في 2017، موضحاً أنه “سيتمكن من القيام بذلك مجدداً”.
أما ناخبو حزب العمّال، فواحد من كل اثنين منهم يثق بجيريمي كوربن لاتخاذ قرارات حول بريكست، كما كشف استطلاع للرأي نشره معهد يوغوف مطلع أيلول.
وفي الدراسات حول نوايا التصويت لانتخابات مبكرة محتملة، سيحصل حزب العمّال على 24.5 بالمئة من الأصوات، أي بفارق عشر نقاط في المعدل عن المحافظين (35.5 بالمئة)، بحسب أرقام لجامعة “لندن سكول أوف إيكونوميكس”، التي تشير في الوقت نفسه إلى تقلب الناخبين.
وأعطى استطلاع للرأي لـ “أوبينيون-اوبزفر” تقدّماً بـ15 نقطة للمحافظين (37 بالمئة في مقابل 22 بالمئة للعمّال).
واعتبر 31 بالمئة فقط من المستطلعة آراؤهم أن مواقف العمّاليين واضحة، أقل بمرتين تقريباً بخصوص المحافظين (58 بالمئة).
وقالت ساره هوبولت أستاذة العلوم السياسية في الجامعة نفسها: إن “تقدّم المحافظين يفسر بتراجع حزب بريكست الذي يقوده المشكك في أوروبا نايجل فاراج منذ وصول جونسون إلى رئاسة الحكومة، لأن رئيس الوزراء يتخذ موقفاً واضحاً حول بريكست، بينما يتقاسم العمّاليون والليبراليون الناخبين الذين يؤيدون البقاء في الاتحاد”، وأضافت: إن قضية حاسمة مثل بريكست “تتطلب موقفاً واضحاً”، معتبرة أن استراتيجية كوربن خطيرة.