فن المونتاج والخدع البصرية
كخبير معتمَد في التدريب على فنون المونتاج التلفزيوني والصوتي باستخدام الحاسب لدى العديد من مراكز التدريب الإعلامية المتخصصة داخل سورية وخارجها، منها معهد الإعداد الإعلامي التابع لوزارة الإعلام ومركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع لجامعة الدول العربية وأكاديمية التدريب الإذاعي والتلفزيوني في تونس، إلى جانب كونه مؤلفاً موسيقياً كان من الطبيعي للمهندس إيهاب مرادني تقديم محاضرة مؤخراً تحت عنوان “فن المونتاج والخدع البصرية” في مركز ثقافي كفر سوسة لمواكبة التطور السريع الحاصل في المجتمع والتطور التكنولوجي الهائل في كل المجالات.
خدعة سينمائية
تناول مرادني مفهوم المونتاج وتاريخ نشأته وتطوره مع تطور السينما التي ظهرت بدايةً في باريس عام 1895 على يد الأخوين لوميير،مشيراً إلى أن الخطوات الأولى في مسيرة السينما كانت من خلال أعمال عشوائية بسيطة لا يتجاوز طول الواحد منها الدقيقة كفيلم “خروج العمال من المعمل” و”وصول قطار إلى المحطة” الذي أفزع المشاهدين وهم يرون القطار قادماً باتجاههم.. تلك الأفلام رصدت حالات معيشية طبيعية بسيطة صورت وعرضت دون الحاجة إلى سيناريو أو مونتاج أو أية عمليات فنية إضافية، ولكن مع الوقت ومع انبهار العديد من الموهوبين بهذا الوافد الجديد –الكاميرا السينمائية– بدأت تتفتح الأذهان عن ابتكارات جديدة، منها إبداعات المخرج الفرنسي جورج ميلييه الذي صنع عدة أفلام، منها “السيدة المختفية” و”الحصن المسكون” وهي أول أفلام تحوي خدعة سينمائية، حيث استخدم حيلة بسيطة فكان يوقف التصوير ثم تدخل السيدة فيتابع التصوير، وعند العرض ستظهر السيدة وكأنها ظهرت بشكل سحري مفاجئ، ثم يوقف التصوير وتخرج السيدة من أمام الكاميرا فيتابع التصوير فتظهر وكأنها اختفت فجأة، وقد أذهلت هذه الأفلام الجمهور وسحرته.
حاجة ملحة
يبين إيهاب مرادني أن المونتاج كان يتطور بالتوازي مع تطور السينما، فما عادت الأفلام تصور في مكان واحد وبشكل مستمر بل علينا أن ننقل الكاميرا من مكان إلى مكان ونصور على عدة أيام، وهذه عملية بحاجة إلى عملية فنية يتم من خلالها اختيار اللقطات الجيدة وترتيبها وراء بعضها حسب السيناريو الموضوع للفيلم، وهذه هي عملية المونتاج وهي كلمة فرنسية نستخدمها في سورية لتعبر عن قص واختيار اللقطات الجيدة ثم ترتيبها بشكل فني حسب السيناريو والرؤية البصرية والإخراجية، منوهاً مرادني إلى أنها أصبحت حاجة ملحة مع تطور السينما، فقد بدأت الأفلام تزداد طولاً وتعقيداً وبشكل سريع، موضحاً أننا إذا قارنّا بين أول فيلم روائي لإدوين بورتر في أميركا “سرقة القطار الكبرى” عام 1903 بطول 11 دقيقة سنجد فيلم “مولد أمة” عام 1915 للمخرج العالمي ديفيد جريفث قد صار بطول ثلاث ساعات كاملة ويحوي قرابة 1558 قطعة مونتاجية، مشيراً إلى أن المونتاج أصبح علماً له نظريات وقواعد ودراسات تفسر التأثيرات النفسية على المشاهد باستخدام مهارات التصوير والمونتاج واختيار أحجام اللقطات وسرعة الانتقال بين المشاهد واختيار طرق الانتقال المناسبة، موضحاً مرادني أن المخرج ديفيد جريفث ابتكر المونتاج المتوازي والذي به ننتقل مونتاجياً بين حدثين يحدثان في مكانين مختلفين في نفس الوقت، حيث انتقل بالتوازي بين قاعة المحكمة التي فيها شخص سيحكم بالإعدام وبين شخص مسرع إلى المحكمة وهو يحمل دليل البراءة ليكون المونتاج المتوازي أسلوباً مضموناً لرفع حدة التشويق والإثارة.
برامج المونتاج الحديثة
يشير مرادني إلى أن علم المونتاج تألق على يد المخرجين الروس الذين رأوا في المونتاج ذروة العمل الفني، ففيه يمكننا تنفيذ عمل أو أن نعيد صياغته برؤيا جديدة وأن نبني علاقات جديدة غير موجودة في الواقع، فابتكر المخرجون الروس المونتاج الفكري، فتتابع الصور بترتيب معين يعطي معنى، ولكن إعادة ترتيب نفس الصور بترتيب آخر سيعطي معنى آخر،ومرور صورة طاووس مثلاً بعد صورة أحدهم في الفيلم كافية لتعبر عن أن هذا الشخص مغرور ومتكبر.
في القسم الثاني من المحاضرة تطرق مرادني إلى برامج المونتاج الحديثة باستخدام الحاسب كالبرنامج الاحترافي الذي تدخل إليه المواد المصورة بالكاميرا، ومن خلاله يتم القيام بكافة العمليات الفنية اللازمة من قص وإعادة ترتيب اللقطات بالتسلسل المطلوب مع التسريع أو التبطيء وإضافة الكتابات وعناصر وتعديل ومعالجة الألوان وإضافة الموسيقى والمؤثرات الصوتية ومعالجة ومكساج الصوت ليخرج العمل من البرنامج جاهزاً للعرض التلفزيوني أو على مواقع التواصل أو على الهاتف المحمول.
الخدع التلفزيونية
في القسم الأخير من المحاضرة تحدث المحاضر عن تصنيع بعض الخدع التلفزيونية باستخدام بعض الاشتراطات الخاصة في التصوير ثم إضافة مؤثرات معينة في برامج المونتاج الحديثة، فالنوع الأول من الخدع كان عن تصوير الكروما وتطبيقاتها، وهي تعتمد على تصوير الممثلين أو المذيع أو الضيف وخلفه جدار بلون أزرق أو أخضر ثم يتم في برامج المونتاج حذف اللون الأزرق أو الأخضر ليصبح ما حول الممثل شفافاً، فإذا وضع خلفه فيديو لشاطئ بحر يصبح كأنه على البحر، وإذا وضع خلفه فيديو لشارع يصبح وكأنه يقف في الشارع، وهي تقنية تُستعمل كثيراً في البرامج والنشرات الجوية والمسلسلات والأفلام، مشيراً مرادني كذلك إلى تقنية خدعة أن يمثل الممثل أكثر من شخصية في نفس الوقت وكذلك خدع تكثير المجاميع والجيوش في الأعمال التاريخية أو التي تحوي مجاميع وفيرة وذلك بمساعدة البرنامج العالمي ADOBE AFTER EFFECTS وكذلك الحديث عن تقنيات تسجيل حركة أشخاص حقيقيين ثم إعطاء هذه الحركة لشخصيات 3D مصنَّعة على الحاسب في برامج الـ 3D وقد عرض مرادني عدة أعمال استخدمت فيها هذه التقنية.
أمينة عباس